أمّا الأوّل : فإنّ أهل كلّ محاورة من أهل ذلك اللسان واللغة لا إلزام لهم من حيث الحاجة إلى القيام بوضع جميع الألفاظ بما لها من المعاني التي يدور عليها البيان والإفادة والاستفادة بالنسبة إلى جلّ الألفاظ والمعاني في جميع الأزمنة والدهور من العصور المتمادية ، حتّى يقال : إنّ ذلك ليس في إمكان البشر وأنّه غير قادر على ذلك ؛ بل يمكن الوضع بمقدار الابتلاء بشكل تدريجي في مدار اقتضاء الحاجة في كلّ عصر بحسب دعوة الحاجة إلى التعبير بواسطة الألفاظ عن المعاني عند التخاطب والتفاهم ، وذلك في اقتدار أهل الوضع في نهاية الوضوح والإشراق.
وأمّا الثاني فلا يخفى عليك أنّه لا حاجة لنا بوجه من الوجوه إلى وضع جميع الألفاظ لجميع المعاني ؛ إذ ذلك خارج عن الابتلاء ، فعليه الوضع بأزيد عن مقدار الابتلاء يكون من أظهر مصاديق اللغو.
وقد بقي الكلام في بيان الوجه الثاني وهو عبارة عن أنّ الواضع لو كان واحدا من أبناء البشر لاشتهر ذكره في لسان أهل التواريخ ؛ إذ ذكرنا غير مرّة أنّ مثل ذلك العمل يعتبر من أعظم أعمال البشر وخدماته في ميادين الخدمة والعمل ، فبما أنّ ذلك العمل ممتاز بالنسبة إلى الأعمال الصادرة عن الإنسان لتوفّر الداعي في نقله ، مع أنّه بقي مسكوتا عنه في التواريخ وفي حدّ النسيان.
فلا يخفى عليك بطلان ذلك ؛ إذ ذلك الإشكال يبقى بحاله إذا كان الواضع شخصا خاصّا من البشر كحضرة إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام أو تعداد جمع مخصوص ، بخلاف ما إذا التزمنا بما مرّ عليك من أنّ الواضع غير منحصر في شخص خاصّ واحد أو جماعة مخصوصين ، بل الحقّ الذي هو غير قابل للإنكار في المقام أنّه إنّما يكون في كيان كلّ مستعمل من أبناء اهل المحاورة واللغة ، وذلك واضح إذا كان الوضع في صورة التدريج ، إذ عند ذلك ينتفي الإشكال في