عدم ذكره في التواريخ الماضية ، فلا يبقى مجال للإشكال بعدم الذكر في التواريخ ، فخذ واغتنم.
ومن الشواهد المؤكّدة لما ذكرناه في المقام ما هو المشهور من طريقة الأطفال عند عروض الاحتياج لهم في التعبير عن مقاصدهم المتعلّقة بالمعاني المختصّة بهم فيما بينهم ، إذ أنّهم يتّخذون الألفاظ المخصوصة بهم ويضعونها بإزاء تلك المعاني وهم المتعهّدون بذكرها عند إرادة إبراز ما يختلج في أذهانهم من الأهداف والأغراض في سبيل نيل مقاصدهم العارضة في عالم احتياجاتهم بلا وجدان اختلاف منهم عن هذه الطريقة والحال ، بل إنّ ذلك من الثوابت غير المتغيّرة عنهم حتّى إذا عاشوا في المناطق الخالية من السكنة تكلّموا باللغة التي اتّخذوها لأنفسهم في مجتمعهم في عالم الطفولية لا محالة ، وليس مرادنا من الوضع إلّا مثل هذا التعهّد المسلّم والالتزام ، ولقد أشار إلى ذلك البيان الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم في سورة الرحمن وقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(١).
والحاصل أنّ تلك الآية المباركة وإن كانت تشعر بأنّ الوضع في النهاية ينتهي إليه عزوجل ، لأنّه من عناياته وألطافه وامتنانه على الإنسان ، إلّا أنّ ذلك لبيان أمر آخر لا في بيان الوضع بأنّه هو الواضع الحكيم في وضع الألفاظ لما لها من المعاني.
فلا يخفى عليك في أنّ جميع ما تلونا عليك في دفع الإشكالين المذكورين متّحد في مسلكنا ومسالك الأصحاب من دون وجدان أيّ فرق بينهما في تفسير الوضع وعلقة الوضعيّة ، إذ من الواضحات أنّ تحقّق تدريجيّة الوضع للواضع أو
__________________
(١) الرحمن : ٣ ـ ٤.