على رأس الفرسخ ، فتخصيص الواضع ليس إلّا اعتباره الارتباط والاختصاص بين لفظ خاصّ ومعنى مخصوص.
قال رحمهالله : وقد لا يكون المعنى المعتبر تسبيبا كاختصاص الوضعي ، إذ من الواضحات أنّه لا حاجة في وجوده إلّا اعتبار من ناحية الواضع ، ومن البديهيّات أنّ اعتبار كلّ معتبر قائم بوجوده بالمباشرة لا بالتسبيب كي يتسبّب إلى اعتبار نفسه بقوله : وضعت أو عيّنت أو جعلت وأمثال ذلك ، فوضع الواضع وتخصيص الصادر عنه ليس إلّا اعتبار الارتباط والاختصاص بين لفظ خاصّ ومعنى مخصوص.
ثمّ إنّه لا شبهة في اتّحاد حيثية دلالة لفظ الموضوع على الموضوع له ومعناه الانتقال بمعنى كونه مشكل الانتقال وكونه بحيث ينتقل من سماعه إلى معناه مع حيثية سائر الدوالّ كمثل الأعلام المنصوبات على رءوس الفراسخ في انتقال الناظر إلى أنّ ذلك المكان والموضع رأس الفرسخ من المسافة المقصودة مع امتياز بينهما ، غاية الأمر أنّ الوضع في الأعلام الموضوعة حقيقيّ وفي وضع الألفاظ اعتباري ، يعني أنّ العلم المنصوب على رأس الفرسخ عيني خارجي من دون أن يكون باعتبار معتبر ، وليس الأمر كذلك في وضع الألفاظ الموضوعة ، إذ اللفظ كأنّه وضع على المعنى ليكون علامة عليه عند المعتبر ، وبذلك البيان انقدح أنّ شأن الواضع إنّما هو اعتبار وضع لفظ خاصّ على معنى مخصوص ، إذ لا يخفى عليك أنّ الاختصاص والارتباط من لوازم الاعتبار والوضع لا عينه ، فبما أنّك وقفت على اتّحاد حيثيّة دلالة اللفظ مع حيثيّة دلالة سائر الدوال فلا يخفى عليك أنّه لا حاجة إلى الالتزام بأنّ حقيقة الوضع إنّما هو تعهّد ذكر اللفظ عند إرادة تفهيم المعنى كما التزم بذلك بعض المحقّقين وأجلّة العصر.
وبهذا التقريب الواضح أشرق بيان المطلب في نهاية الشوط أنّ كيفية الدلالة