فإنّهما مستحيلتا الجريان في غير المحسوسات ، بل فيها بالنسبة إلى من يكون فاقد الحواسّ الخمس ، لا سيّما لمن يكون من الناس مبتلى بفقدان البصر ، أو عرض عليه العمى ، فإنّ الإفهام بالإشارة غير ممكن في حقّه.
وبالجملة ، فإنّ الإشارة والإيماء مع ما فيهما من الصعوبة والإشكال إنّما يمكن أن يتوسّل بهما في مقام التفهيم والتخاطب عند قضاء الحاجة في بيان الأغراض والمقاصد في خصوص الامور المحسوسة فيما إذا كان طرف المقابل واجدا للقوى الخمس ، لا سيّما القوّة الباصرة. وأمّا الامور المعقولة غير المحسوسة بالحواسّ الخمس من الذائقة واللامسة والسامعة والباصرة التي لا يمكن إدراكها بغير الألفاظ ، وهي من الامور المهمّة الدخيلة في النظام الأحسن ، كيف يمكن بيانها وتفهيمها بالإشارة والإيماء ؟
فإذن لا يمكن أن يبلغ الإنسان في كلّ محاورة ولسان إلى أغراضه ومقاصده في وجه سهل وتامّ إلّا عن طريق وضع الألفاظ للمعاني بالتعهّد والالتزام ، فيكون الواضع هو المتعهّد والملتزم لاعتبار الألفاظ مبرزة لبيان المعاني التي تعلّق بها غرض المتكلّم في مقام التخاطب ، لضرورة احتياجه إليها في مختلف المقامات بحسب دخالتها في تأمين إمرار معاشهم من الجهة المادّية والمعنوية ، والوصول إلى مقاصدهم في مختلف المقامات من المأكولات والمشروبات والملبوسات ، وغيرها من سائر الامور الاقتصادية والانتظامية والعسكرية والسياسية ، طبق مراتب اختلاف البلاد والاجتماعات من حيث السعة والضيق والقلّة والكثرة ، من القرون الاولى والوسطى إلى آخر منتهى الدنيا مع كثرة الأغراض وقلّتها.
فإذا عرفت ما ذكرناه في بيان العلّة والغرض الذي يكون هو الباعث والمنادي بلزوم تعيين وسيلة وآلة وطريق لإبراز تلك المعاني وإفهامها وإيصال الناس إليها في مقام المكاشفة والدلالة والتخاطب ، فانقدح لك أنّ أحسن طريق كاف في