لكي يكون سبباً لحرارة الماء» ، فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سبباً لتصور المعنى بمجرّد تخصيصه لذلك دون أيِّ علاقةٍ سابقةٍ بين اللفظ والمعنى؟
وهكذا نواجه المشكلة كما كنّا نواجهها ، فليس يكفي لحلّها أن نفسِّر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عمليةٍ يقوم بها مؤسّس اللغة ، بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة؟
والصحيح في حلِّ المشكلة : أنّ علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقاً لقانونٍ عامٍّ من قوانين الذهن البشري.
والقانون العام هو : أنّ كلّ شيئين اذا اقترن تصوّر أحدهما مع تصوّر الآخر في ذهن الإنسان مراراً عديدةً ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة ، وأصبح أحد التصورين سبباً لانتقال الذهن الى تصور الآخر. ومثال ذلك في حياتنا الاعتيادية : أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شئون حياتهما نجدهما دائماً معاً ، فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفرداً أو سمعنا باسمه أسرع ذهننا إلى تصور الصديق الآخر ؛ لأنّ رؤيتهما معاً مراراً كثيرةً أوجد علاقةً بينهما في تصورنا ، وهذه العلاقة تجعل تصورنا لأحدهما سبباً لتصور الآخر.
ومثال آخر من تجارب الفقهاء : أنّا قد نجد راوياً يقترن اسمه دائماً باسم راوٍ آخر معيَّنٍ كالنوفلي الذي يروي دائماً عن السكوني ، فكلّما وجدنا في الأحاديث اسم النوفلي وجدنا إلى صفّه اسم السكوني أيضاً ، فتنشأ بسبب ذلك علاقة بين هذين الاسمين في ذهننا ، فإذا تصورنا بعد ذلك النوفلي أو وجدنا اسمه مكتوباً في ورقةٍ قفز ذهننا فوراً إلى السكوني نتيجةً لذلك الاقتران المتكرّر بين الاسمين في مطالعاتنا.
وقد يكفي أن تقترن فكرة أحد الشيئين بفكرة الآخر مرّةً واحدةً لكي تقوم بينهما علاقة ، وذلك إذا اقترنت الفكرتان في ظرفٍ مؤثّر ، ومثاله : إذا سافر أحد