ونعرف على هذا الأساس أنّ الحكم بوجوب الحجّ على المستطيع لا يتوقّف ثبوته في الشريعة بوصفه حكماً شرعياً إلّا على تشريعه وجعله من قِبل الله تعالى ، سواء كانت الاستطاعة متوفّرةً في المسلمين فعلاً أوْ لا. وأمّا ثبوت وجوب الحجّ على هذا المكلّف أو ذاك فيتوقّف ـ إضافةً الى تشريع الله للحكم وجعله له ـ على توفّر خصائص الاستطاعة في المكلّف.
والثبوت الأول للحكم ـ أي ثبوته في الشريعة ـ يسمّى بالجعل «جعل الحكم».
والثبوت الثاني للحكم ـ أي ثبوته على هذا المكلّف بالذات أو ذاك ـ يسمّى بالفعلية «فعلية الحكم» ، فجعل الحكم معناه تشريعه من قبل الله ، وفعلية الحكم معناها ثبوته فعلاً لهذا المكلّف أو ذاك.
وموضوع الحكم مصطلح اصولي نريد به مجموع الأشياء التي تتوقّف عليها فعلية الحكم المجعول بمعناها الذي شرحناه ، ففي مثال وجوب الحجّ يكون وجود المكلّف المستطيع موضوعاً لهذا الوجوب ؛ لأنّ فعلية هذا الوجوب تتوقّف على وجود مكلَّفٍ مستطيع.
ومثال آخر : حكمت الشريعة بوجوب الصوم على كلّ مكلّفٍ غير مسافرٍ ولا مريضٍ إذا هلَّ عليه هلال شهر رمضان ، وهذا الحكم يتوقّف ثبوته الأول على جعله شرعاً ، ويتوقّف ثبوته الثاني ـ أي فعليته ـ على وجود موضوعه ، أي وجود مكلّفٍ غير مسافرٍ ولا مريضٍ وهلَّ عليه هلال شهر رمضان ، فالمكلّف وعدم السفر وعدم المرض وهلال شهر رمضان هي العناصر التي تكوِّن الموضوع الكامل للحكم بوجوب الصوم.