ثمّ إنّ هذه الشبهة مذكورة مع جوابها في أوائل الكتب التي يدرسها المبتدئون مثل ( سلّم الثبوت ) و ( شروحه ) ، ولكن ( الدهلوي ) قد غفل عن ذلك لشدة انهماكه في الخرافات ، وسعيه وراء إنكار الحقائق بالشبهات.
ولمّا كان كلام ( الدهلوي ) هذا ملخصّا لكلام الفخر الرازي فإنّا نورد نص عبارة الرازي في ( نهاية العقول ) في هذا المقام ، ثم نشرع في استيصال شبهاته بالتفصيل ، فيكون كلام ( الدهلوي ) هباء منثورا ، وهذه عبارة الرازي بعينها :
« ثانيهما : إن ( المولى ) لو كان يجيء بمعنى ( الأولى ) لصح أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر ، لكنه ليس كذلك ، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى.
بيان الشرطية : إن تصرف الواضع ليس إلاّ في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة ، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض ـ بعد صيرورة كلّ واحد منها موضوعا لمعناه المفرد ـ فذلك عقلي. مثلا إذا قلنا « الإنسان حيوان » فإفادة لفظة « الإنسان » للحقيقة المخصوصة بالوضع ، وإفادة لفظ « الحيوان » للحقيقة المخصوصة أيضا بالوضع. فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص ، فذلك بالعقل لا بالوضع.
وإذا ثبت ذلك فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ، ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر ، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.
وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة « الأولى » بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة « المولى » ، والعقل حكم بصحة اقتران المفهوم من لفظة « من » بالمفهوم من لفظة « الأولى » ، وجب صحة اقترانه أيضا بالمفهوم من لفظة « المولى » ، لأن صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظتين بل بين مفهوميهما.