ثانيا : نفي الضرر بين الرخصة والعزيمة
تساءل الفقهاء عن النفي الوارد على «الضرر» في هذه القاعدة أهو من قبيل الرخصة ، أم من قبيل العزيمة؟ (١)
ويقصدون بذلك : أنّ الشارع حين نفى الحكم الذي نشأ من امتثاله الضرر ، هل نفاه بما أنّه لا مصلحة فيه ولا ملاك له ؛ فلا يكون مشروعا لديه ، أو أنّه اقتصر في النفي على الإلزام الصادر عنه مع بقاء المصلحة التي أوجبت تشريعه بعنوانه الأوّلي؟
ورتّبوا على ذلك ثمرات فقهية واسعة في مجالات الأحكام التكليفيّة والوضعيّة ، منها ـ مثلا ـ ما يذكر في الوضوء من أنّ المكلّف إذا أقدم على وضوء ضرريّ ، وكان الضرر الذي يحدثه الوضوء ضررا غير بالغ ، أي من الأضرار غير المحرّمة شرعا ؛ لأنّ الضرر المحرّم ـ كالضرر الذي يلقي الإنسان في التهلكة ـ يكون مانعا من صحّة الوضوء ابتداء ؛ لعدم إمكان التقرّب به ، ولا معنى للتقرّب بما هو مبغوض ، لا لأجل هذه القاعدة.
فإذا قلنا : إنّ حديث «لا ضرر» عزيمة (٢) ، أي أنّه ينفي المشروعيّة ابتداء ؛ لعدم وجود الملاك لها ، كان الوضوء باطلا ؛ لعدم تشريعه من قبل الشارع.
وإذا قلنا : بأنّه رخصة (٣) ، أي أنّ الشارع رخّص في تركه منّة على العباد ، مع أنّ
__________________
١ ـ يراجع ما كتبناه من الرخصة والعزيمة في الأصول العامة للفقه المقارن : ٦٧ المؤلف.
٢ ـ انظر : جواهر الكلام ٥ : ١١١ ، ومنية الطالب ٣ : ٤١٢ ، ووسيلة النجاة ١ : ١١١ ، مسوغات التيمم ، مسألة رقم (١٧).
٣ ـ انظر : العروة الوثقى ٢ : ٢٥١ ـ ٢٥٣ كتاب الحج ، شرائط وجوب حجة الإسلام ، مسألة رقم (٦٥) ، ومستمسك العروة الوثقى ٤ : ٣٣١ ، ومصباح الأصول ٢ : ٥٥١ ـ ٥٥٢.