الأساس ، واستغلال هذه الأحكام وإساءة استعمالها من قبل بعض الانتهازيين لا يدخل في حساب المشرّع ابتداء ، وإن دخل في حسابه بعد ذلك باتّخاذ الروادع عن أمثال ما يصدر عن بعضهم من إساءات ، وهي حالات شاذّة ؛ لأنّ المفروض في الإنسان السويّ ألّا يلجأ إلى أمثال هذه الأساليب في التحايل على الشريعة ما دام يملك مسكة من إيمان ... ومثل هؤلاء لهم في الشريعة عقوباتهم الرادعة بالتعزير وأمثاله.
على أنّ المتسامح ـ والعياذ بالله ـ لا تعدمه ذريعة يتوسّل بها للإقدام على المحرّمات ، فلا يقتضي أن نعطّل هذه القاعدة ـ بعد فرض شمولها للمحرّمات ـ لهذا الاعتبار.
ولعلّ الأقرب إلى الوجه العلميّ ما ربّما يستفاد من كلام الأستاذ نفسه من أنّ حديث «لا ضرر» حديث امتناني ، وليس من المنّة أن يسمح الشارع بارتكاب مفسدة متيقّنة ، وهي مفسدة الحرام ؛ توقّيا من حدوث ضرر ينشأ عن امتثال المحرّم.
وعلى هذا فإنّ المحرّمات تكون خارجة عن مورد القاعدة ؛ لأنّ موردها امتناني.
ومن هنا وجدنا أنّ «اعتناء الشارع بالمنهيّات أشدّ من اعتنائه بالمأمورات ، ولذلك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١).
ومن ثمّ سومح في ترك بعض الواجبات بأدنى مشقّة كالقيام في الصلاة ، والفطر ، والطهارة ، ولم يسامح في الإقدام على المنهيات وخصوصا الكبائر» (٢).
وهذا الوجه غير واضح على إطلاقه ؛ لأنّا نعلم أنّ الشارع قد تسامح في المحرّمات عند الضرورة ـ حتى الكبائر ـ منّة منه على العباد ، وسيأتي في قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) (٣) ما يؤكد هذا الجانب.
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٩ : ٧٤٩ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلىاللهعليهوآله ح ٢٠٩٥ بتقديم وتأخير في ألفاظ الحديث.
٢ ـ الأشباه والنظائر للسيوطي ١ : ٢١٧ ـ ٢١٨.
٣ ـ ص ١٢٠ وما بعدها ، و ٢٠٦ وما بعدها.