تنفي خصوص الحكم الذي يولّد امتثاله الضرر. والأمور العدمية لا تصلح أن تكون محدثة لإضرار (١) ، وإنّما يكون تشريع نقيضها رافعا أحيانا للضرر بعد وجوده. وقد قلنا : إنّ القاعدة ليست ناظرة لمثله ، وإنّما يمكن أن يستفاد من أدلّة أخرى قد يتّضح أمرها من القواعد الآتية التي قيل : إنّها متفرّعة على هذه القاعدة إذا تمّت أدلّتها ، وتمّ ما ذكروه لها من دلالة.
خامسا : الضرر في القاعدة واقعيّ أو علميّ؟
المستفاد من هذه القاعدة ـ بمناسبة الحكم والموضوع وبتسلّط النفي على نفس الضرر ـ : أنّ المنفيّ فيها هو الضرر الواقعي (٢) ، لا العلم أو الظنّ به.
والعلم والظنّ إنّما هما طريقان له ، والطريق إذا أخطأ الواقع وتبيّن الخطأ لصاحبه بعد ذلك فيه طولب به ، على ما هو التحقيق في الأحكام الظاهرية من أنّها لا تجزئ عن الواقع ، ولا تسقطه (٣) ، بل يبقى المكلّف العالم بالضرر مطالبا به متى انكشف له الخطأ.
وعلى هذا ؛ فمن علم الضرر أو ظنّه في مثال الوضوء السابق إذا أقدم على الوضوء وتبيّن وجوده واقعا ، صحّ وضوؤه إذا لم يكن الضرر محرّما عليه وأمكنه قصد التقرّب ؛ لأنّ (لا ضرر) كما سبق رخصة لا عزيمة.
ومن علم بالضرر أو ظنّه ، وترك الوضوء استنادا للقاعدة وتيمّم ، ثمّ انكشف عدم وجود الضرر ، بطل تيمّمه ، وطولب بالوضوء ؛ إذ لا مسقط لوجوبه ؛ لأنّ مفروض
__________________
١ ـ منية الطالب ٣ : ٤١٨.
٢ ـ انظر : الأصول في علم الأصول : ٣٥٢ ، ومنية الطالب ٣ : ٤٠٩ ، ومصباح الأصول ٢ : ٥٤٣ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٣.
٣ ـ انظر : كفاية الاصول : ٨٦ ، وفوائد الاصول ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٨.