امتثال بعض التكاليف الأوّلية ، وكمثال على ذلك : شخص سافر إلى أوربا وهو يعلم أنّه سيبتلى بأكل النجس ، أو نحوه من تكاليف ، فيقع التساؤل هل تعمل (لا حرج) دورها وتؤدّي وظيفتها أو لا؟
ووجه عدم جريانها أنّ المكلّف تعمّد فأوقع نفسه في ظرف يستطيع أن يتجنّبه ، فالقاعدة تختصّ برفع الأحكام الأوّلية (١) إذا تسبّب منها حرج ليس للمكلّف فيه يد.
ولكنّ الظاهر أنّ (لا حرج) هنا أيضا تعمل ، وتتّسع وظيفتها إلى مثل هذه الصورة لأنّ الحكم ـ أيّ حكم ـ تابع لموضوعه ومترتّب عليه ، أشبه بترتّب المعلول على علّته ، فإذا حصل الموضوع تبعه الحكم ، ولا يتساءل عن كيفية حصول الموضوع. (٢)
نعم ، قد يقال باستحقاق المكلّف العقاب ؛ لإيقاع نفسه في ذلك بناء على أنّ مقدّمة الحرام حرام ، أو أنّ الفعل نفسه حرام يعاقب عليه ، كما لو ألقى بنفسه مختارا من شاهق فأصيب بما يعجز معه عن الغسل أو الوضوء ، فلا مانع من الالتزام باستحقاقه العقاب لإيذاء نفسه.
أمّا قاعدة (لا حرج) فإنّه بعد تحقّق موضوعها وكون الوضوء أو الغسل لهذا المصاب حرجيّا فإنّها تعمل وترفع وجوبه ، ولا تلازم بين الحكمين.
ثامنا : تعارض (لا حرج) مع (لا ضرر)
ورد على لسان الشيخ الأنصاري أنّ (لا حرج) حاكمة على (لا ضرر) ، ومقدّمة عليها عند التعارض تقديم حكومة. (٣)
__________________
١ ـ راجع : رسالة في نفي العسر والحرج : ٢٥٤.
٢ ـ انظر : المصدر السابق : ٢٥٥ ، وهداية المسترشدين ٢ : ٧٥٦.
٣ ـ فرائد الأصول ٢ : ٤٦٧.