المقدمة الأولى
وفيها إثنا عشر بابا
الباب الأوّل : في نزول القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أوّل ما بعثه الله بمكة ، وهو ابن أربعين سنة ، إلى أن هاجر إلى المدينة ، ثم نزل عليه بالمدينة إلى أن توفاه الله ، فكانت مدّة نزوله عليه عشرون سنة ، وقيل كانت ثلاثا وعشرين سنة على حسب الاختلاف في سنّه صلىاللهعليهوسلم يوم توفي ، هل كان ابن ستين سنة ، أو ثلاث وستين سنة؟ وكان ربما تنزل عليه سورة كاملة ، وربما تنزل عليه آيات مفترقات ، فيضم عليهالسلام بعضها إلى بعض حتى تكمل السورة.
وأوّل ما نزل عليه من القرآن : صدر سورة العلق ، ثم المدّثّر والمزمل ، وقيل : أوّل ما نزل المدّثّر وقيل : فاتحة الكتاب ، والأوّل هو الصحيح ؛ لما ورد في الحديث الصحيح ، عن عائشة في حديثها الطويل في ابتداء الوحي قالت فيه : جاءه الملك وهو بغار حراء ، قال اقرأ ، قال ما أنا بقارئ ، قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال اقرأ ، قلت ما أنا بقارئ ، قال فأخذني فغطني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال اقرأ ، قلت ما أنا بقارئ ، قال فأخذني وغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، ثم قال : اقرأ بسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. فرجع بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرجف فؤاده ، فقال زمّلوني زمّلوني ، فزمّلوه حتى ذهب عنه ما يجد من الروع» (١) ، وفي رواية من طريق جابر بن عبد الله : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم زمّلوني فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وآخر ما نزل (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) وقيل آية الزنى التي في البقرة ، وقيل الآية قبلها.
وكان القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم متفرقا في الصحف وفي صدور الرجال ، فلما توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم قعد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته ، فجمعه على ترتيب نزوله ، ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ، ولكنه لم يوجد. فلما قتل جماعة من الصحابة يوم اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب ؛ أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن ؛ مخافة أن يذهب بموت القراء. فجمعه في صحف غير مرتّب السور وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر ، ثم عند عمر بعده ، ثم عند بنته حفصة أم
__________________
(١). أخرجه مسلم ج أول ص ١٣٩ كتاب الإيمان باب رقم ٧٣.