قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ
________________________________________________________
يهود المدينة ، وقيل : عن قريش وهو صادق على كل قول ، أما اليهود فغلبوا يوم قريظة والنضير وقينقاع ، وأما قريش ففي بدر وغيرها. والأشهر أنها في بني قينقاع ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعاهم إلى الإسلام بعد غزوة بدر ، فقالوا له : لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش لا يعرفون القتال فلو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، فنزلت الآية. ثم أخرجهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من المدينة (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) قيل : خطاب للمؤمنين وقيل : لليهود ، وقيل : لقريش ؛ والأول أرجح أنه لبني قينقاع الذين قيل لهم : ستغلبون. ففيه تهديد لهم وعبرة كما جرى لغيرهم (فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ) المسلمون والمشركون يوم بدر (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) قرئ : ترونهم بالتاء (١) خطابا لمن خوطب بقوله : قد كان لكم آية. والمعنى : ترون الكفار مثلي المؤمنين. ولكن الله أيد المسلمين بنصره على قدر عددهم ، وقرئ بالياء. والفاعل في يرونهم المؤمنون ، والمفعول به هم المشركون. والضمير في مثليهم للمؤمنين والمعنى على حسب ما تقدم. فإن قيل : إنّ الكفار كانوا يوم بدر أكثر من المسلمين ؛ فالجواب من وجهين أحدهما : أن الكفار كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين ، لأن الكفار كانوا قريبا من ألف ، والمؤمنون ثلاثمائة وثلاثة عشر. ثم إنّ الله تعالى قلّل عدد الكفار في أعين المؤمنين ؛ حتى حسبوا أنهم مثلهم مرتين ، ليتجاسروا على قتالهم ، إذا ظهر لهم أنهم على ما أخبروا به من قتال الواحد للإثنين من قوله : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٦] ، وهذا المعنى موافق لقوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) [الأنفال : ٤٤] ، والآخر أنه رجع قوم من الكفار حتى بقي منهم ستمائة وستة وعشرون رجلا ، وذلك قدر عدد المسلمين مرتين ، وقيل : إنّ الفاعل في يرونهم ضمير المشركين ، والمفعول ضمير المؤمنين. وأن الضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمؤمنين والمفعول للمشركين. والمعنى على هذا أن الله كثر عدد المسلمين في أعين المشركين حتى حسب الكفار المؤمنين مثلي الكافرين أو مثلي المؤمنين. وهم أقل من ذلك وإنما كثرهم الله في أعينهم ليرهبوهم ، ويرد هذا قوله تعالى ، ويقللكم في أعينهم (رَأْيَ الْعَيْنِ) نصب على المصدرية ، ومعناه معاينة ظاهرة لا شك فيها (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) أي أن النصر بمشيئة الله لا بالقلة ولا بالكثرة ، فإن فئة المسلمين غلبت فئة الكافرين ؛ مع أنهم كانوا أكثر منهم (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) قيل : المزين هو الله وقيل الشيطان. ولا تعارض بينهما فتزيين الله بالإيجاد والتهيئة للانتفاع ، وإنشاء الجبلة على الميل إلى الدنيا. وتزيين الشيطان بالوسوسة والخديعة (وَالْقَناطِيرِ) جمع قنطار (٢) ، وهو ألف ومائتا أوقية ، وقيل : ألف
__________________
(١). وهي قراءة نافع.
(٢). القنطار ١٢٠٠ أوقية. الأوقية : ٤٠ درهما ، الدرهم : ٤ غرامات تقريبا :