إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا
________________________________________________________
وَآلَ عِمْرانَ) يحتمل أن يريد بآل : القرابة ، أو الأتباع ، وعلى الوجهين ؛ يدخل نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم في آل إبراهيم (ذُرِّيَّةً) بدل مما تقدم أو حال ووزنه فعلية منسوب إلى الذر أي النمل. لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر ، (إِذْ قالَتِ) العامل فيه محذوف تقديره : اذكروا ، وقيل : عليم ، وقال الزجّاج : العامل فيه معنى الاصطفاء (امْرَأَتُ عِمْرانَ) اسمها حنة بالنون ، وهي أم مريم ، وعمران هذا هو والد مريم (نَذَرْتُ) أي : جعلت نذرا عليّ أن يكون هذا الولد في بطني حبسا على خدمة بيتك ، وهو بيت المقدس (مُحَرَّراً) أي عتيقا من كل شغل إلّا خدمة المسجد (فَلَمَّا وَضَعَتْها) الآية. كانوا لا يحررون الإناث للقيام بخدمة المساجد ، فقالت : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) تحسرا وتلهفا على ما فاتها من النذر الذي نذرت (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) قرئ وضعت بإسكان التاء وهو من كلام الله تعظيما لوضعها وقرئ بضم التاء (١) وإسكان العين وهو على هذا من كلامها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) يحتمل أن يكون من كلام الله ، فالمعنى ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لك ، وأن يكون من كلامها فالمعنى : ليس الذكر كالأنثى في خدمة المساجد ؛ لأن الذكور كانوا يخدمونها دون الإناث (سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) إنما قالت لربها سميتها مريم ؛ لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة ، فأرادت بذلك التقرب إلى الله ، ويؤخذ من هذا تسمية المولود يوم ولادته ، وامتنع مريم من الصرف للتعريف والتأنيث ، وفيه أيضا العجمة (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ) ورد في الحديث «ما من مولود إلّا نخسه الشيطان يوم ولد فيستهل صارخا إلّا مريم وابنها» (٢) ، لقوله : وإني أعيذها بك : الآية (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) أي رضيها للمسجد مكان الذكر (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) فيه وجهان : أحدهما : أن يكون مصدرا على غير المصدر ، والآخر : أن يكون اسما لما يقبل به كالسعوط اسم لما يسعط به (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) عبارة عن حسن النشأة (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) (٣) أي ضمها إلى إنفاقه وحضانته ، والكافل هو الحاضن ، وكان زكريا زوج خالتها ، وقرئ كفلها بتشديد الفاء ، ونصب زكريا : أي جعله الله كافلها (الْمِحْرابَ) في اللغة : أشرف المجالس ، وبذلك سمي موضع الإمام ، ويقال : إنّ زكريا بنى لها غرفة في المسجد ، وهي المحراب هنا ، وقيل : المحراب موضع العبادة (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة
__________________
(١). هي قراءة ابن عامر وأبو بكر والباقون سكون التاء.
(٢). أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة ج ٢ ص ٣٦٢.
(٣). وكفلها : بدون تشديد الفاء حسب قراءة المؤلف وهي قراءة نافع وغيره وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتشديد.