كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا
________________________________________________________
الصيف في الشتاء ، ويقال : إنها لم ترضع ثديا قط ، وكان الله يرزقها (أَنَّى لَكِ هذا) إشارة إلى مكان أي : كيف ومن أين؟ (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ) يحتمل أن يكون من كلام مريم أو من كلام الله تعالى (هُنالِكَ) إشارة إلى مكان ، وقد يستعمل في الزمان ، وهو الأظهر هنا أي : لما رأى زكريا كرامة الله تعالى لمريم : سأل من الله الولد (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) أنث رعاية للجماعة ، وقرئ فناداه بالألف (١) على التذكير ، وقيل : الذي ناداه جبريل وحده وإنما قيل الملائكة : لقولهم : فلان يركب الخيل ، أي جنس الخيل وإن كان فرسا واحدا يحيى اسم سماه الله تعالى به قبل أن يولد ، وهو اسم بالعبرانية صادف اشتقاقا وبناء في العربية ، وهو لا ينصرف ، فإن كان في الإعراب أعجميا ففيه التعريف والعجمة ، وإن كان عربيا فالتعريف ووزن الفعل (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) أي مصدقا بعيسى عليهالسلام مؤمنا به ، وسمي عيسى كلمة الله ، لأنه لم يوجد إلّا بكلمة الله وحدها وهي قوله : كن لا بسبب آخر وهو الوالد كسائر بني آدم (وَسَيِّداً) السيد ، الذي يسود قومه ؛ أي يفوقهم في الشرف والفضل (وَحَصُوراً) أي لا يأتي النساء فقيل : خلقه الله كذلك ، وقيل : كان يمسك نفسه ، وقيل : الحصور الذي لا يأتي الذنوب (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) تعجّب استبعاد أن يكون له ولد مع شيخوخته ، وعقم امرأته ، ويقال : كان له تسع وتسعون سنة ، ولامرأته ثمان وتسعون سنة ، وفاستبعد ذلك في العادة ، مع علمه بقدرة الله تعالى على ذلك ، فسأله مع علمه بقدرة الله ، واستبعده لأنه نادر في العادة ، وقيل : سأله وهو شاب ، وأجيب وهو شيخ ، ولذلك استبعده (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) أي مثل هذه الفعلة العجيبة ، يفعل الله ما يشاء ؛ فالكاف لتشبيه أفعال الله العجيبة بهذه الفعلة ، والإشارة بذلك إلى هبة الولد لزكريا ، واسم الله مرفوع بالابتداء ، أو كذلك خبره فيجب وصله معه ، وقيل : الخبر يفعل الله ما يشاء ، ويحتمل كذلك على هذا وجهين : أحدهما : أن يكون في موضع الحال من فاعل يفعل ، والآخر : أن يكون في موضع خبر مبتدأ محذوف تقديره : الأمر كذلك ، أو أنتما كذلك ، وعلى هذا يوقف على كذلك والأول أرجح لاتصال الكلام ، وارتباط قوله : يفعل ما يشاء مع ما قبله ، ولأن له نظائر كثيرة في القرآن منها قوله : (كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) [هود : ١٠٢] (اجْعَلْ لِي آيَةً) أي : علامة على حمل المرأة (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) أي علامتك أن
__________________
(١). قرأ حمزة والكسائي فناداه بألف مع الإمالة.