وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا
________________________________________________________
لا تقدر على كلام الناس (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) بمنع لسانه عن ذلك مع إبقاء الكلام بذكر الله ، ولذلك قال : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) وإنما حبس لسانه عن الكلام تلك المدة ليخلص فيها لذكر الله شكرا على استجابة دعائه ولا يشغل لسانه بغير الشكر والذكر (إِلَّا رَمْزاً) إشارة باليد أو بالرأس أو غيرهما ، فهو استثناء منقطع (بِالْعَشِيِ) من زوال الشمس إلى غروبها ، والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى.
(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) اختلف ، هل المراد جبريل أو جمع من الملائكة؟ والعامل في إذ مضمر (اصْطَفاكِ) أولا حين تقبلك من أمك (وَطَهَّرَكِ) من كل عيب في خلق وخلق ودين (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) يحتمل أن يكون هذا الاصطفاء مخصوصا ؛ بأن وهب لها عيسى من غير أب ، فيكون على نساء العالمين عاما ، أو يكون الاصطفاء عاما فيخص من نساء العالمين خديجة وفاطمة ، أو يكون المعنى : على نساء زمانها ؛ وقد قيل : بتفضيلها على الإطلاق ، وقيل : إنها كانت نبية لتكليم الملائكة لها (اقْنُتِي) القنوت هنا بمعنى الطاعة والعبادة ، وقيل : طول القيام في الصلاة وهو قول الأكثرين (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) أمرت بالصلاة فذكر القنوت والسجود لكونها من هيئة الصلاة وأركانها ، ثم قيل لها : اركعي مع الراكعين بمعنى : ولتكن صلاتك مع المصلين ، أو في الجماعة ؛ فلا يقتضي الكلام على هذا تقديم السجود على الركوع ، لأنه لم يرد الركوع والسجود المنضمين في ركعة واحدة ، وقيل أراد ذلك ، وقدم السجود لأن الواو لا ترتب ، ويحتمل أن تكون الصلاة في ملتهم بتقديم السجود على الركوع (ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدم من القصص وهو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم (ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) احتجاجا على نبوته صلىاللهعليهوسلم ؛ لكونه أخبر بهذه الأخبار وهو لم يحضر معهم (يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) أي أزلامهم ، وهي قداحهم ، وقيل : الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة ؛ اقترعوا بها على كفالة مريم ، حرصا عليها وتنافسا في كفالتها ، وتدل الآية على جواز القرعة ، وقد ثبتت أيضا من السنة (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) مبتدأ وخبر في موضع نصب بفعل تقديره : ينظرون أيهم (يَخْتَصِمُونَ) يختلفون فيمن يكفلها منهم (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) إذ بدل من إذ قالت ، أو من إذ يختصمون ، والعامل فيه مضمر (اسْمُهُ) أعاد الضمير المذكر على الكلمة ، لأن المسمى بها ذكر (الْمَسِيحُ) قيل : هو مشتق من ساح في الأرض ، فوزنه مفعل ، وقال الأكثرون : من مسح لأنه مسح بالبركة فوزنه فعيل وإنما قال : عيسى ابن مريم والخطاب لمريم لينسبه إليها ، إعلاما بأنه يولد من غير والد (وَجِيهاً) نصب على الحال ، ووجاهته في الدنيا النبوة والتقديم على الناس ، وفي الآخرة