وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ
________________________________________________________
ثلاثة أوجه : أحدها : أنهم قالوا ذلك على وجه التهكم والاستهزاء ، والثاني : أنهم قالوه على حسب اعتقاد المسلمين فيه كأنهم قالوا رسول الله عندكم أو بزعمكم ، والثالث : أنه من قول الله لا من قولهم فيوقف قبله ، وفائدة تعظيم ذنبهم وتقبيح قولهم إنا قتلناه (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) ردّ عليه وتكذيب لهم وللنصارى أيضا في قولهم : إنه صلب حتى عبدوا الصليب من أجل ذلك. والعجب كل العجب من تناقضهم في قولهم إنه إله أو ابن إله ثم يقولون إنه صلب (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) فيه تأويلان : أحدهما : ما ذكرناه من إلقاء شبهه على الحواري أو على اليهودي ، والآخر : أنّ معناه شبه لهم الأمر ؛ أي خلط لهم القوم الذين حاولوا قتله بأنهم قتلوا رجلا آخر وصلبوه ومنعوا الناس أن يقربوا منه ، حتى تغير بحيث لا يعرف ، وقالوا للناس : هذا عيسى ، ولم يكن عيسى ، فاعتقد الناس صدقهم وكانوا متعمدين للكذب (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) روي أنه لما رفع عيسى وألقي شبهه على غيره فقتلوه ، قالوا : إن كان هذا المقتول عيسى فأين صاحبنا وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا ، فقال بعضهم هو هو ، وقال بعضهم ليس هو ، فأجمعوا أن شخصا قتل ، واختلفوا من كان (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) استثناء منقطع لأنّ العلم تحقيق والظن تردّد ، وقال ابن عطية : هو متصل إذا الظن والعلم يجمعهما جنس المعتقدات ، فإن قيل : كيف وصفهم بالشك وهو تردّد بين احتمالين على السواء ثم وصفهم بالظنّ وهو ترجيح أحد الاحتمالين؟ فالجواب أنهم كانوا على الشك ، ثم لاحت لهم أمارات فظنوا ، قاله الزمخشري ، وقد يقال : الظن بمعنى الشك وبمعنى الوهم الذي هو أضعف من الشك (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) أي ما قتلوه قتلا يقينا فإعراب يقينا على هذا صفة لمصدر محذوف ، وقيل : هي مصدر في موضع الحال : أي ما قتلوه متيقنين ، وقيل : هو تأكيد للنفي الذي في قوله : ما قتلوه أي يتقين نفي قتله ، وهو على هذا منصوب على المصدرية (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) أي إلى سمائه وقد ورد في حديث الإسراء أنه في السماء الثانية (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) فيها تأويلان : أحدهما : أنّ الضمير في موته لعيسى ، والمعنى أنه كل أحد من أهل الكتاب يؤمن بعيسى حين ينزل إلى الأرض ، قبل أن يموت عيسى ، وتصير الأديان كلها حينئذ دينا واحدا ، وهو دين الإسلام ، والثاني أنّ الضمير في موته للكتاب الذي تضمنه قوله : وإن من أهل الكتاب التقدير : وإن من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمن بعيسى ، ويعلم أنه نبي قبل أن يموت هذا الإنسان ، وذلك حين معاينة الموت ، وهو إيمان لا ينفعه ، وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس وغيره ، وفي مصحف أبيّ بن كعب قبل موتهم ، وفي هذه القراءة تقوية للقول الثاني ، والضمير في به لعيسى على الوجهين ، وقيل : هو لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَبِصَدِّهِمْ) يحتمل أن يكون بمعنى الإعراض ، فيكون كثيرا صفة لمصدر