إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩) قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (١٠٢) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣)
________________________________________________________
الأمور (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) لفظ عام في جميع الأمور من المكاسب والأعمال والناس وغير ذلك (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) قيل سببها سؤال عبد الله بن حذافة من أبي؟ فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم أبوك حذافة ، وقال آخر : أين أبي ؛ قال : في النار ، وقيل : سببها أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقالوا يا رسول الله أفي كل عام؟ فسكت ، فأعادوا ، قال لا ، ولو قلت : نعم لوجبت (١) ، فعلى الأول تسؤكم بالإخبار بما لا يعجبكم ، وعلى الثاني : تسؤكم بتكليف ما يشق عليكم ، ويقوي هذا قوله عفا الله عنها : أي سكت عن ذكرها ولم يطالبكم بها كقوله صلىاللهعليهوسلم : «عفا الله عن الزكاة في الخيل» (٢) ، وقيل إن معنى عفا الله عنها : عفا عنكم فيما تقدم من سؤالكم فلا تعودوا إليه (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) فيه معنى الوعيد على السؤال : كأنه قال : لا تسألوا ، وإن سألتم أبدي لكم ما يسؤوكم ، والمراد بحين ينزل القرآن : زمان الوحي (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) الضمير في سألها راجع إلى المسألة التي دل عليها لا تسألوا ، وهي مصدر ، ولذلك لم يتعدّ بعن كما تعدى قوله إن تسألوا عنها ، وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء ، فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا ، فالكفر هنا عبارة عن ترك ما أمروا به (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) لما سأل قوم عن هذه الأمور التي كانت في الجاهلية : هل تعظم لتعظيم الكعبة والهدي؟ أخبرهم الله أنه لم يجعل شيئا من ذلك لعباده ؛ أي لم يشرعه لهم ، وإنما الكفار جعلوا ذلك ، فأما البحيرة : فهي فعيلة بمعنى مفعولة من بحر إذا شق ، وذلك أن الناقة إذا أنتجت عشرة أبطن شقوا آذانها ، وتركوها ترعى ولا ينتفع بها ، وأما السائبة فكان الرجل يقول : إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة ، وجعلها كالبحيرة في عدم الانتفاع بها ، وأما الوصيلة فكانوا : إذا ولدت الناقة ذكرا وأنثى في بطن واحد قالوا : وصلت الناقة أخاها فلم يذبحوها ، وأما الحامي فكانوا إذا نتج من صلب الجمل عشرة بطون قالوا : قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه شيء (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي يكذبون عليه بتحريمهم ما لم يحرّم الله (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) الذي يفترون على الله الكذب هم الذين اخترعوا تحريم تلك
__________________
(١). رواه أحمد عن ابن عباس ج ١ / ٤٦٤.
(٢). روى أحمد الحديث عن عليّ بن أبي طالب بلفظ : عفوت لكم عن صدقة الخيل. ج ١ ص ١٧٩.