بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي
________________________________________________________
على ذلك ، فاستسلم لأمر الله ، والنفق في الأرض معناه : منفذ تنفذ منه إلى ما تحت الأرض ، وحذف جواب إن لفهم المعنى (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) حجة لأهل السنة على القدرية (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي من الذين يجهلون أن الله لو شاء لجمعهم على الهدى (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) المعنى إنما يستجيب لك الذين يسمعون فيفهمون ويعقلون (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) فيها ثلاث تأويلات : أحدهما أن الموتى عبارة عن الكفار بموت قلوبهم ، والبعث يراد به الحشر يوم القيامة ، فالمعنى أن الكفار في الدنيا كالموتى في قلة سمعهم وعدم فهمهم ، فيبعثهم الله في الآخرة ، وحينئذ يسمعون ، والآخر أن الموتى عبارة عن الكفار ، والبعث عبارة عن هدايتهم للفهم والسمع والثالث أن الموتى على حقيقته ، والبعث على حقيقته فهو إخبار عن بعث الموتى يوم القيامة (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) الضمير في قالوا للكفار ، ولو لا عرض ، والمعنى : أنهم طلبوا أن يأتي النبي صلىاللهعليهوسلم بآية على نبوّته ، فإن قيل : فقد أتى بآية ومعجزاته كثيرة فلم طلبوا آية؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أنهم لم يعتدوا بما أتى به ، وكأنه لم يأت بشيء عندهم لعنادهم وجحدهم ، والآخر أنهم إنما طلبوا آية تضطرهم إلى الإيمان من غير نظر ولا تفكر (قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) جواب على قولهم ، وقد حكي هذا القول عنهم في مواضع من القرآن وأجيب عليه بأجوبة مختلفة ، منها ما يقتضي الردّ عليهم في طلبهم الآيات فإنه قد أتاهم بآيات وتحصيل الحاصل لا ينبغي كقوله : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) ، وكقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) [العنكبوت : ٥١] ، ومنها ما يقتضي الإعراض عنهم ، لأن الخصم إذا تبين عناده سقطت مكالمته ، ويحتمل أن يكون من هذا قوله : (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) ، ويحتمل أيضا أن يكون معناه قادر على أن ينزل آية تضطرهم إلى الإيمان (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) حذف مفعول يعلمون ، وهو يحتمل وجهين : أحدهما لا يعلمون أن الله قادر ، والآخر لا يعلمون أن الله إنما منع الآيات التي تضطرهم إلى الإيمان لمصالح العباد ، فإنهم لو رأوها ولم يؤمنوا لعوقبوا بالعذاب (بِجَناحَيْهِ) تأكيد وبيان وإزالة للاستعارة المتعاهدة في هذه اللفظة ، فقد يقال : طائر للسعد والنحس (أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) أي في الخلق والرزق ، والحياة والموت ، وغير ذلك ، ومناسبة ذكر هذا لما قبله من وجهين : أحدهما أنه تنبيه على مخلوقات الله تعالى ، فكأنه يقول : تفكروا في مخلوقاته ، ولا تطلبوا غير ذلك من الآيات ، والآخر : تنبيه على البعث ، كأنه يقول : جميع الدواب والطير يحشر يوم القيامة كما تحشرون أنتم ، وهو أظهر لقوله بعده : ثم إلى ربهم يحشرون (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي ما غفلنا ، والكتاب هنا هو اللوح المحفوظ ، والكلام