مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٥٤) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لَّا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ
________________________________________________________
(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) الآية ، وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وأصلح ، وهو خطاب للقوم المذكورين قبل ، وحكمها عام فيهم وفي غيرهم والجهالة قد ذكرت في [النساء : ١٦] وقيل : نزلت بسبب أن عمر بن الخطاب أشار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يطرد الضعفاء عسى أن يسلم الكفار ، فلما نزلت لا تطرد ندم عمر على قوله وتاب منه فنزلت الآية ، وقرئ أنه بالفتح على البدل من الرحمة وبالكسر على الاستئناف وكذلك فإنه غفور رحيم بالكسر على الاستئناف وبالفتح خبر ابتداء مضمر تقديره فأمره أنه غفور رحيم ، وقيل : تكرار للأولى لطول الكلام (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ) الإشارة إلى ما تقدّم من النهي عن الطرد وغير ذلك ، وتفصيل الآيات شرحها وبيانها (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) بتاء الخطاب ونصب السبيل (١) على أنه مفعول به ، وقرئ بتاء التأنيث ورفع السبيل على أنه فاعل مؤنث وبالياء والرفع على تذكير السبيل ، لأنه يجوز فيه التذكير والتأنيث (الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي تعبدون (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أي إن اتبعت أهواءكم ضللت (عَلى بَيِّنَةٍ) أي على أمر بيّن من معرفة ربي والهاء في بينة للمبالغة أو للتأنيث (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) الضمير عائد على الرب أو على البينة (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي العذاب الذي طلبوه في قولهم : فأمطر علينا حجارة من السماء ، وقيل : الآيات التي اقترحوها والأول أظهر (يَقُصُّ الْحَقَ) من القصص (٢) وقرئ يقضي بالضاد المعجمة من القضاء وهو أرجح لقوله (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي الحاكمين (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي لو كان عندي العذاب على التأويل الأوّل ، والآيات المقترحة على التأويل الآخر ، لوقع الانفصال وزال النزاع لنزول العذاب أو لظهور الآيات (مَفاتِحُ الْغَيْبِ) استعارة وعبارة عن التوصل إلى الغيب كما يتوصل بالمفاتح إلى ما في الخزائن ، وهو جمع مفتح بكسر الميم بمعنى مفتاح ، ويحتمل أن يكون جمع مفتح بالفتح وهو المخزن (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) تنبيه بها على غيرها لأنها أشدّ تغييبا من كل شيء (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) اللوح المحفوظ ، وقيل : علم الله (يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) أي إذا نمتم ، وفي ذلك اعتبار واستدلال على البعث الأخروي (ما
__________________
(١). وهي قراءة نافع.
(٢). يقص : هي قراءة نافع وابن كثير وعاصم. والآخرون : يقضي.