المقدمة الثانية
في تفسير معاني اللغات
نذكر في هذه المقدمة الكلمات التي يكثر دورها في القرآن ، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء والأفعال والحروف ، وإنما جمعناها في هذا الباب لثلاثة فوائد : أحدها : تفسيرها للحفظ ؛ فإنها وقعت في القرآن متفرّقة فجمعها أسهل لحفظها ، والثانية : ليكون هذا الباب كالأصول الجامعة لمعاني التفسير ؛ لما أن تآليف القرآن جمعت فيها الأصول المطردة والكثيرة الدور ، والثالثة : الاقتصار فنستغني بذكرها هنا عن ذكرها في مواضعها من القرآن خوف التطويل بتكرارها ، وربما نبهنا على بعضها للحاجة إلى ذلك ، ورتبناها في هذا الكتاب على حروف المعجم ، فمن لم يجد تفسير كلمة في موضعها من القرآن : فلينظر في هذا الباب ، واعتبرنا في هذه الحروف : الحرف الذي يكون فاء الكلمة وهو الأصلي دون الحروف الزائدة في أوّل الكلمات.
حرف الهمزة
آية لها معنيان أحدهما : علامة وبرهان والثاني : آية من القرآن ، وهي كلام متصل إلى الفاصلة ، والفواصل هي رؤوس الآيات أتى بقصر الهمزة معناه جاء ، ومضارعه يأتي ، ومصدره إتيان ، واسم الفاعل منه آت ، واسم المفعول منه مأتي ، ومنه قوله تعالى آتى بمدّ الهمزة معناه أعطى ، ومضارعه يؤتي ، واسم الفاعل مؤت ، ومنه والمؤتون الزكاة أبى يأبى أي امتنع أثر الشيء بقيته وأمارته ، وجمعه آثار والأثر أيضا الحديث ، وأثارة من علم بقية ، وأثاروا الأرض حرثوها وأثر الرجل الشيء يؤثره فضّله إثم ذنب ، ومنه آثم وأثيم أي مذنب أجر ثواب وبمعنى الأجرة ، ومنه استأجره وعلى أن تأجرني ، وأما استجارك فأجره ويجركم من عذاب أليم ، ومن يجيرني من الله ، وهو يجير ولا يجار عليه : فذلك كله من الجوار بمعنى التأمين آمن إيمانا أي صدق ، والإيمان في اللغة التصديق مطلقا ، وفي الشرع التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والمؤمن في الشرع المصدّق بهذه الأمور ، والمؤمن اسم الله تعالى : أي المصدّق لنفسه وقيل إنه من الأمن : أي يؤمن أوليائه من عذابه ، وأمن بقصر الهمزة وكسر الميم أمنا وأمانة : ضدّ الخوف وأمن من الأمانة ، وأمّن غيره من التأمين أليم مؤلم أي موجع ومنه تألمون إمام له أربعة معان : القدوة والكتاب ، والطريق ، وجمع أمّ أي تابع ، وهي للمتقين إماما أمّة لها أربعة معان : الجماعة من الناس ، والدين والحين ، والإمام أي القدوة أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، ولذلك وصف العرب بالأميين أم لها معنيان الوالدة ،