بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
________________________________________________________
يعني القرآن (فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) أي علمنا كيف نفصله (إِلَّا تَأْوِيلَهُ) أي هل ينتظرون إلا عاقبة أمره ، وما يؤول إليه أمره بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أي قد تبين وظهر الآن أنّ الرسل جاءوا بالحق.
(اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) حيث وقع حمله قوم على ظاهره منهم ابن أبي زيد وغيره ، وتأوّله قوم بمعنى : قصد كقوله : ثم استوى إلى السماء ، ولو كان كذلك لقال : ثم استوى إلى العرش ، وتأوّلها الأشعرية أنّ معنى استوى استولى بالملك والقدرة ، و [القول] الحق : الإيمان به من غير تكييف ، فإنّ السلامة في التسليم ، ولله در مالك بن أنس في قوله للذي سأله عن ذلك : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة ، وقد روي مثل قول مالك عن أبي حنيفة ، وجعفر الصادق ، والحسن البصري ، ولم يتكلم الصحابة ولا التابعون في معنى الاستواء ، بل أمسكوا عنه ولذلك قال مالك السؤال عنه بدعة (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يلحق الليل بالنهار ، ويحتمل الوجهين ، هكذا قال الزمخشري ، وأصل اللفظة من الغشاء ، أي يجعل أحدهم غشاء للآخر يغطيه فتغطي ظلمة الليل ضوء النهار (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) أي سريعا ، والجملة في موضع الحال من الليل أي طلب الليل النهار فيدركه (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) قيل : الخلق المخلوقات ، والأمر مصدر أمر يأمر ، وقيل : الخلق مصدر خلق ، والأمر واحد الأمور : كقوله : إلى الله تصير الأمور ، والكل صحيح (تَبارَكَ) من البركة ، وهو فعل غير منصرف لم تنطق له العرب بمضارع (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) مصدر في موضع الحال وكذلك خوفا وطمعا ، وخفية من الإخفاء ، وقرئ خيفة من الخوف (الْمُعْتَدِينَ) المجاوزين للحد ، وقيل هنا هو رفع الصوت بالدعاء والتشطط فيه (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) جمع الله الخوف والطمع ليكون العبد خائفا راجيا ، كما قال الله تعالى : (يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) [الإسراء : ٥٧] فإن موجب الخوف معرفة سطوة الله وشدّة عقابه ، وموجب الرجاء معرفة رحمة الله وعظيم ثوابه ، قال تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) [الحجر : ٤٩ ـ ٥٠] (١) ومن عرف فضل الله رجاه ، ومن عرف عذابه خافه ، ولذلك جاء في الحديث ، لو وزن خوف المؤمن
__________________
(١). قال العجلوني عنه في كشف الخفاء : مأثور من كلام السلف ومعناه صحيح وقال السيوطي أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند.