وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧)
________________________________________________________
ورجاؤه لاعتدلا إلا أنه يستحب أن يكون العبد طول عمره يغلب عليه الخوف ليقوده إلى فعل الطاعات وترك السيئات وأن يغلب عليه الرجاء عند حضور الموت لقوله صلىاللهعليهوسلم «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى» (١) ..
واعلم أن الخوف على ثلاث درجات : الأولى أن يكون ضعيفا يخطر على القلب ولا يؤثر في الباطن ولا في الظاهر ، فوجود هذا كالعدم والثانية أن يكون قويا فيوقظ العبد من الغفلة ويحمله على الاستقامة ، والثالثة أن يشتد حتى يبلغ إلى القنوط واليأس وهذا لا يجوز ، وخير الأمور أوسطها ، والناس في الخوف على ثلاث مقامات : فخوف العامة من الذنوب ، وخوف الخاصة من الخاتمة ، وخوف خاصة الخاصة من السابقة ، فإن الخاتمة مبنية عليها ، والرجاء على ثلاث درجات : الأولى رجاء رحمة الله مع التسبب فيها بفعل طاعة وترك معصية فهذا هو الرجاء المحمود والثانية الرجاء مع التفريط والعصيان فهذا غرور ، والثالثة أن يقوى الرجاء حتى يبلغ الأمن ، فهذا حرام ، والناس في الرجاء على ثلاث مقامات : فمقام العامة رجاء ثواب الله ، ومقام الخاصة رضوان الله ، ومقام خاصة الخاصة رجاء لقاء الله حبا فيه وشوقا إليه (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) حذفت تاء التأنيث من قريب وهو خبر عن الرحمة على تأويل الرحمة : بالرحم أو الترحم أو العفو ، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي ، أو لأنه صفة موصوف محذوف وتقديره شيء قريب ، أو على تقدير النسب أي ذات قرب ، وقيل : قريب هنا ليس خبر عن الرحمة وإنما هو ظرف لها (الرِّياحَ بُشْراً) قرئ الرياح بالجمع لأنها رياح المطر ، وقد اضطرد في القرآن جمعها إذا كانت للرحمة ، وإفرادها إذا كانت للعذاب ، ومنه ورد في الحديث «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (٢) وقرئ بالإفراد ، والمراد الجنس وقرئ نشرا بفتح النون وإسكان الشين ، وهو على هذا مصدر في موضع الحال ، وقرئ بضمها وهو جمع نشر ، وقيل : جمع منشور ، وقرئ بضم النون وإسكان الشين نشر وهو تخفيف من الضم : كرسل ورسل ، وقرئ بالباء (٣) في موضع النون وهو من البشارة (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي قبل المطر (أَقَلَّتْ) حملت (سَحاباً ثِقالاً) لأنها تحمل الماء فتثقل به (سُقْناهُ) الضمير للسحاب (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) يعني : لا نبات فيه من شدّة القحط ، وكذلك معناه حيث وقع (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) الضمير للسحاب أو البلد ، على أن تكون الباء ظرفية (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) تمثيل لإخراج الموتى من القبور ، وبإخراج الزرع من الأرض ، وقد وقع ذلك في القرآن في
__________________
(١). رواه أحمد من حديث جابر ج ٣ ص ٣٧٢.
(٢). عزاه الإمام النووي في الأذكار للإمام الشافعي في كتابه الأم بسنده إلى ابن عباس.
(٣). وهي قراءة عاصم وقرأ نافع وغيره نشرا وقرأ غيرهم : نشرا.