الْغَافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ
________________________________________________________
وإنما المعنى نفيها عما ينفع في الدين (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة (١). وسبب نزول الآية : أن أبا جهل لعنه الله سمع بعض الصحابة يقرأ فيذكر الله مرة ، والرحمن أخرى ، فقال : يزعم محمد أنّ الإله واحد وها هو يعبد آلهة كثيرة ، فنزلت الآية مبينة أنّ تلك الأسماء الكثيرة هي لمسمى واحد ، والحسنى مصدر وصف به أو تأنيث أحسن وحسن أسماء الله هي أنها صفة مدح وتعظيم وتحميد (فَادْعُوهُ بِها) أي سموه بأسمائه ، وهنا إباحة لإطلاق الأسماء على الله تعالى ، فأما ما ورد منها في القرآن أو الحديث ، فيجوز إطلاقه على الله إجماعا وأما ما لم يرد وفيه مدح لا تتعلق به شبهة ، فأجاز أبو بكر بن الطيب إطلاقه على الله ومنع ذلك أبو الحسن الأشعري وغيره ، ورأوا أن أسماء الله موقوفة على ما ورد في القرآن والحديث ، وقد ورد في كتاب الترمذي عدّتها أعني تعيين التسعة والتسعين ، واختلف المحدثون هل تلك الأسماء المعدودة فيه مرفوعة إلى النبي صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم أو موقوفة على أبي هريرة ، وإنما الذي ورد في الصحيح كونها تسعة وتسعين من غير تعيين (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) قيل : معنى ذروا : اتركوهم ، لا تحاجوهم ولا تتعرّضوا لهم ، فالآية على هذا منسوخة بالقتال ، وقيل : معنى ذروا الوعيد والتهديد كقوله : وذرني والمكذبين [المزمل : ١١] وهو الأظهر لما بعده وإلحادهم في أسماء الله : هو ما قال أبو جهل فنزلت الآية بسببه ، وقيل : تسميته بما لا يليق ، وقيل : تسمية الأصنام باسمه كاشتقاقهم اللات من الله ، والعزى من العزيز (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ) الآية روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : هذه الآية لكم ، وقد تقدّم مثلها لقوم موسى (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) الاستدراج استفعال من الدرجة ، أي : نسوقهم إلى الهلاك شيئا بعد شيء وهم لا يشعرون ، والإملاء هو الإمهال مع إرادة العقوبة (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) سمى فعله بهم كيدا لأنه شبيه بالكيد في أن ظاهره إحسان وباطنه خذلان (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) يعني بصاحبهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنفى عنه ما نسب له المشركون من الجنون ، ويحتمل أن يكون قوله : ما بصاحبهم من جنة معمولا لقوله أو لم يتفكروا فيوصل به ، والمعنى : أو لم يتفكروا فيعلمون أن ما بصاحبكم من جنة ، ويحتمل أن يكون الكلام قد تم في قوله : أو لم يتفكروا ثم ابتدأ إخبارا استئنافا لقوله : ما بصاحبكم من جنة ، والأوّل أحسن (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) يعني نظر استدلال (ما خَلَقَ اللهُ) عطف على الملكوت ويعني بقوله من شيء : جميع المخلوقات إذ
__________________
(١). رواه أحمد عن أبي هريرة ج ٢ ص ٦٦١.