النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ
________________________________________________________
عباس : إن هذه المقالة قالها أربعة من اليهود ، وهم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، وقيل : لم يقلها إلا فنحاص ، ونسب ذلك إلى جميعهم لأنهم متبعون لمن قالها ، والظاهر أن جماعتهم قالوها إذ لم ينكروها حين نسبت إليهم ، وكان سبب قولهم ذلك أنهم فقدوا التوراة ، فحفظها عزير وحده ، فعلّمها لهم فقالوا : ما علم الله عزير التوراة إلا أنه ابنه ، وعزير مبتدأ ، وابن الله خبره ، ومنع عزير (١) التنوين لأنه أعجمي لا ينصرف وقيل : بل هو منصرف وحذف التنوين لالتقاء الساكنين وهذا ضعيف ، وأما من نونه فجعله عربيا (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ).
قال أبو المعالي : أطبقت النصارى على أن المسيح إله وابن إله وذلك كفر شنيع (بِأَفْواهِهِمْ) يتضمن معنيين أحدهما : إلزامهم هذه المقالة والتأكيد في ذلك ، والثاني : أنهم لا حجة لهم في ذلك ، وإنما هو مجرد دعوى كقولك لمن تكذبه : هذا قول بلسانك (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) معنى يضاهئون يشابهون ، فإن كان الضمير لليهود والنصارى ، فالإشارة بقوله الذين كفروا من قبل للمشركين من العرب إذ قالوا : الملائكة بنات الله ، وهم أول كافر. أو للصابئين أو لأمم متقدمة وإن كان الضمير للمعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم من اليهود والنصارى ، فالذين كفروا من قبل هم أسلافهم المتقدمون (قاتَلَهُمُ اللهُ) دعاء عليهم ، وقيل : معناه لعنهم الله (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) تعجب كيف يصرفون عن الحق والصواب (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) أي أطاعوهم كما يطاع الرب وإن كانوا لم يعبدوهم (وَالْمَسِيحَ) معطوف على الأحبار والرهبان (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) أي أمرهم بذلك عيسى ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) أي يريدون أن يطفئوا نبوة محمد صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم وما جاء به من عبادة الله وتوحيده (بِأَفْواهِهِمْ) إشارة إلى أقوالهم كقولهم ساحر وشاعر ، وفيه أيضا إشارة إلي ضعف حيلتهم فيما أرادوا (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ) الضمير للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو للدين ، وإظهاره جعله أعلى الأديان وأقواها حتى يعم المشارق والمغارب ، وقيل : ذلك عند نزول عيسى ابن مريم حتى لا يبقى إلا دين الإسلام (لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) هو الرشا
__________________
(١). عزير : قرأها عاصم والكسائي بالتنوين وقرأها الباقون : عزير بضمة واحدة.