قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (٥٩) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (٦٠) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١)
________________________________________________________
حسن كلامه وعرف وفور عقله وعلمه قال : إنك اليوم لدينا مكين أمين ، والمكين من التمكين ، والأمين من الأمانة (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) لما فهم يوسف من الملك أنه يريد تصريفه والاستعانة به قال له ذلك ، وإنما طلب منه الولاية رغبة منه في العدل وإقامة الحق والإحسان ، وكان هذا الملك كافرا ، ويستدل بذلك على أنه يجوز للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر إذا علم أنه يصلح بعض الأحوال ، وقيل : إن الملك أسلم ، وأراد بقوله خزائن الأرض : أرض مصر إذ لم يكن للملك غيرها ، والخزائن كل ما يخزن من طعام ومال وغير ذلك (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) صفتان تعمان وجوه المعرفة والضبط للخزائن وقيل : حفيظ للحساب عليم بالألسن ، واللفظ أعم من ذلك ، ويستدل بذلك أنه يجوز للرجل أن يعرف بنفسه ويمدح نفسه بالحق إذا جهل أمره وإذا كان في ذلك فائدة.
(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) الإشارة بذلك إلى ما تقدم من جميل صنع الله به ، وروي أن الملك ولاه في موضع العزيز ، وأسند إليه جميع الأمور حتى تغلب على أمره وأنه باع من أهل مصر في أعوام القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق لهم شيء منها ، ثم بالحلى ، ثم بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى تملكهم جميعا ثم أعتقهم وردّ عليهم أملاكهم (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) الرحمة هنا يراد بها الدنيا وكذلك الأجر في قوله : ولا نضيع أجر المحسنين بدليل قوله بعد ذلك : ولأجر الآخرة خير ، فأخبر تعالى أن رحمته في الدنيا يصيب بها من يشاء من مؤمن وكافر ومطيع وعاص ، وأن المحسن لا بدّ له من أجره في الدنيا ، فالأوّل : في المشيئة ، والثاني : واقع لا محالة ، ثم أخبر أن أجر الآخرة خير من ذلك كله : للذين آمنوا ، وكانوا يتقون ، وفي الآية إشارة إلى أن يوسف عليهالسلام جمع الله له بين خيري الدنيا والآخرة.
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) كان سبب مجيئهم أنهم أصابتهم مجاعة في بلادهم ، فخرجوا إلى مصر ليشتروا بها من الطعام الذي ادخره يوسف (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) إنما أنكروه لبعد العهد به وتغيير سنه أو لأنه كان متلثما ، روى أنهم دخلوا عليه وهو على هيئة عظيمة من الملك وأنه سألهم عن أحوالهم ، وأخبروه أنهم تركوا أخا لهم ، فحينئذ قال لهم : ائتوني بأخ لكم من أبيكم وهو بنيامين شقيق يوسف (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) الجهاز ما يحتاج إليه المسافر من زاد وغيره ، والمراد به هنا الطعام الذي باع منهم (خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أي المضيفين (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) أي نفعل ذلك لا محالة.