إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢)
________________________________________________________
في القول للمعبودين والمعنى أنهم كذبوهم في قولهم أنهم كانوا يعبدونهم ، كقولهم : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) [يونس : ٢٨] فإن قيل : كيف كذبوهم وهم قد كانوا يعبدونهم؟ فالجواب أنهم لما كانوا غير راضين بعبادتهم ، فكأن عبادتهم لم تكن عبادة ، ويحتمل أن يكون تكذيبهم لهم في تسميتهم شركاء لله ، لا في العبادة (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي استسلموا له وانقادوا (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) روي أن الزيادة في العذاب هي حيات وعقارب كالبغال تلسعهم (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) يعنى بالعدل : فعل الواجبات ، وبالإحسان : المندوبات ، وذلك في حقوق الله تعالى وفي حقوق المخلوقين ، قال ابن مسعود : هذه أجمع آية في كتاب الله تعالى (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) الإيتاء مصدر آتى بمعنى أعطى ، وقد دخل ذلك في العدل والإحسان ، ولكنه جرده بالذكر اهتماما به (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) قيل : يعنى الزنا ، واللفظ أعم من ذلك (وَالْمُنْكَرِ) هو أعم من الفحشاء ، لأنه يعم جميع المعاصي (وَالْبَغْيِ) يعنى الظلم (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) هذا في الإيمان التي في الوفاء بها خير ، وأما ما كان تركه أولى ، فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير منه ، كما جاء في الحديث ، أو تكون الأيمان هنا ما يحلفه الإنسان في حق غيره ، أو معاهدة لغيره (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) أي رقيبا ومتكفلا بوفائكم بالعهد ، وقيل : إن هذه الآية نزلت في بيعة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : فيما كان بين العرب من حلف في الجاهلية (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) شبّه الله من يحلف ولم يف بيمينه بالمرأة التي تغزل غزلا قويا ثم تنقضه.
وروي أنه كان بمكة امرأة حمقاء تسمى ريطة بنت سعد ، كانت تفعل ذلك وبها وقع التشبيه ، وقيل إنما شبه بامرأة غير معينة (أَنْكاثاً) جمع نكث ، وهو ما ينكث أي ينقض ، وانتصابه على الحال (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) الدخل الدغل ، وهو قصد الخديعة (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) أن في موضع المفعول من أجله : أي بسبب أن تكون أمة ، ومعنى أربى : أكثر عددا أو أقوى ، ونزلت الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم تحالف الأخرى ، فإذا جاءها قبيلة أقوى منها غدرت بالأولى وحالفت الثانية ، وقيل :
الإشارة بالأربى هنا إلى كفّار قريش ؛ إذ كانوا حينئذ أكثر من المسلمين (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ