وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥) وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (٧٧) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨)
________________________________________________________
سبيلا ، لأنه حينئذ لا ينفعه الاهتداء ، ويجوز في أعمى الثاني : أن يكون صفة للأول ، وأن يكون من الأفعال التي للتفضيل ، وهذا أقوى لقوله وأضل سبيلا فعطف أضل الذي هو من أفعل من كذا على ما هو شبهه ، قال سيبويه. لا يجوز أن يقال : هو أعمى من كذا ، ولكن إنما يمتنع ذلك في عمى البصر ، لا في عمى القلب (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) الآية : سببها أن قريشا قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : اقبل بعض أمرنا ونقبل بعض أمرك ، وقيل : إن ثقيفا طلبوا من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات والعزى ، والآية على هذا القول مدنية (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) الافتراء هنا يراد به المخالفة لما أوحى إليه من القرآن وغيره (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) أي لو فعلت ما أرادوا منك لاتخذوك خليلا (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) لو لا تدل على امتناع شيء لوجود غيره ، فدلت هنا على امتناع مقاربة النبي صلىاللهعليهوسلم الركون إليهم لأجل تثبيت الله له وعصمته ، وكدت تقتضي نفي الركون ، لأن معنى كاد فلان يفعل كذا أي : أنه لم يفعله فانتفى الركون إليهم ومقاربته ، فليس في ذلك نقص من جانب النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأن التثبيت منعه من مقاربة الركون ، ولو لم يثبته الله لكانت مقاربته للركون إليهم شيئا قليلا ، وأما منع التثبيت فلم يركن قليلا ولا كثيرا ، ولا قارب ذلك (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) أي عذابهما لو فعل ذلك.
(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) الضمير لقريش ، كانوا قد هموا أن يخرجوا النبي صلىاللهعليهوسلم من مكة ، وذلك قبل الهجرة ، فالأرض هنا يراد بها مكة لأنها بلده وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا (١) أي لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك بمكة إلا قليلا ، فلما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة لأجل إذاية قريش له ولأصحابه ، لم يبقوا بعد ذلك إلا قليلا ، وقتلوا يوم بدر (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) انتصب سنة على المصدر ، ومعناه العادة أي هذه عادة الله مع رسله.
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) هذه الآية إشارة إلى الصلوات المفروضة ، فدلوك الشمس زوالها ، والإشارة إلى الظهر والعصر ، وغسق الليل ظلمته وذلك إشارة إلى المغرب والعشاء ، وقرآن الفجر صلاة الصبح ، وانتصب قرآن الفجر بالعطف على موضع اللام في قوله لدلوك الشمس ، فإن اللام فيه ظرفية بمعنى علم ، [كذا]
__________________
(١). قرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وأبو بكر : خلفك. والباقون : خلافك.