وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (٥١) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (٥٤) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧) أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)
________________________________________________________
هذا قول النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي طالب : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك (حَفِيًّا) أي بارّا متلطفا (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ) أي ما تعبدون (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) هما ابنه وابن ابنه ، وهبهما الله له عوضا من أبيه وقومه الذين اعتزلهم (مِنْ رَحْمَتِنا) النبوّة ، وقيل : المال والولد ، واللفظ أعم من ذلك ، لسان صدق يعنى الثناء الباقي عليهم إلى آخر الدهر (مُخْلَصاً) بكسر اللام أي أخلص نفسه وأعماله لله وبفتحها أي أخلصه الله للنبوّة والتقريب (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) النبي أعم من الرسول ، لأن النبي كل من أوحى الله إليه ، ولا يكون رسولا حتى يرسله الله إلى الناس مع النبوّة ، فكل رسول نبيّ وليس كل نبي رسولا (وَنادَيْناهُ) هو تكليم الله له (الطُّورِ) وهو الجبل المشهور بالشام (الْأَيْمَنِ) صفة للجانب ، وكان على يمين موسى حين وقف عليه ويحتمل أن يكون من اليمن (نَجِيًّا) النجي فعيل وهو المنفرد بالمناجاة وقيل : هو من المناجاة ، والأول أصح (مِنْ رَحْمَتِنا) من سببية أو للتبعيض ، وأخاه على الأول مفعول وعلى الثاني بدل (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) روي أنه وعد رجلا إلى مكان فانتظره فيه سنة ، وقيل : الإشارة إلى صدق وعده في قصة الذبح في قوله (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات : ١٠٢] ، وهذا يدل على قول من قال : إن الذبيح هو إسماعيل.
(إِدْرِيسَ) هو أول نبيّ بعث إلى أهل الأرض بعد آدم ، وهو أول من خط بالقلم ، ونظر في علم النجوم وخاط الثياب ، وهو من أجداد نوح عليهالسلام (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) في حديث الإسراء : وإنه في السماء الرابعة (١) ، وقيل : يعنى رفعة النبوة وتشريف منزلته. والأول أشهر ورجحه الحديث (أُولئِكَ) إشارة إلى كل من ذكر في هذه السورة ، من زكريا إلى إدريس (مِنَ النَّبِيِّينَ) من هنا للبيان ، والتي بعدها للتبعيض (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) يعنى نوحا وإدريس (وَمِمَّنْ حَمَلْنا) يعنى إبراهيم (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) يعنى إسماعيل وإسحاق ويعقوب (وَإِسْرائِيلَ) يعنى أن من ذريته موسى وهارون ومريم وعيسى وزكريا ويحيى (وَمِمَّنْ هَدَيْنا) يحتمل العطف على من الأولى أو الثانية (بُكِيًّا) جمع باك ووزنه فعول (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) يقال في عقب الخير
__________________
(١). ورد في البخاري كتاب بدء الخلق ج ٤ / ص ٧٧ وفيه : «فأتينا السماء الرابعة. قيل من هذا؟ قيل جبريل. قيل : ومن معك؟ قيل : محمد صلىاللهعليهوسلم قيل : وقد أرسل إليه قال : نعم. قيل : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء ، فأتيت على إدريس فسلمت عليه» إلخ.