إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا (٦٣) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى
________________________________________________________
خلف بفتح اللام وفي عقب الشر خلف بالسكون وهو المعني هنا. واختلف فيمن المراد بذلك ، فقيل : النصارى لأنهم خلفوا اليهود ، وقل : كل من كفر وعصى من بعد بني إسرائيل (أَضاعُوا الصَّلاةَ) قيل : تركوها ، وقيل أخرجوها عن أوقاتها (يَلْقَوْنَ غَيًّا) الغي : الخسران ، وقد يكون بمعنى الضلال فيكون على حذف مضاف تقديره : يلقون جزاء غيّ (إِلَّا مَنْ تابَ) استثناء يحتمل الاتصال والانقطاع (بِالْغَيْبِ) أي أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم (مَأْتِيًّا) وزنه مفعول ، فقيل : إنه بمعنى فاعل ، لأن الوعد هو الذي يأتي وقيل إنه على بابه لأن الوعد هو الجنة ، وهم يأتونها (لَغْواً) يعنى ساقط الكلام (إِلَّا سَلاماً) استثناء منقطع (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قيل : المعنى أن زمانهم يقدر بالأيام والليالي ، إذ ليس في الجنة نهار ولا ليل ، وقيل : المعنى أن الرزق يأتيهم في كل حين يحتاجون إليه ، وعبر عن ذلك بالبكرة والعشي على عادة الناس في أكلهم.
(وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) حكاية قول جبريل حين غاب عن النبي صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم فقال له : أبطأت عني واشتقت إليك فقال : إني كنت أشوق ، ولكني عبد مأمور ؛ إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست. ونزلت هذه الآية (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) أي له ما قدامنا وما خلفنا ، وما نحن فيه من الجهات والأماكن ، فليس لنا الانتقال من مكان إلى مكان إلا بأمر الله ، وقيل ما بين أيدينا : الدنيا إلى النفخة الأولى في الصور ، وما خلفنا : الآخرة ، وما بين ذلك : ما بين النفختين وقيل : ما مضى من أعمارنا وما بقي منها ، والحال التي نحن فيها ، والأول أكثر مناسبة لسياق الآية (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) هو فعيل من النسيان بمعنى الذهول وقيل بمعنى الترك ، والأول أظهر (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي مثيلا ونظيرا فهو من المسامي والمضاهي ، وقيل : من تسمى باسمه ، لأنه لم يتسم باسم الله غير الله تعالى (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) هذه حكاية قول من أنكر البعث من القبور ، والإنسان هنا جنس يراد به الكفار ، وقيل : إن القائل لذلك أبيّ بن خلف ، وقيل أمية بن خلف ، والهمزة التي دخلت على أإذا ما مت للإنكار والاستبعاد ، واللام في قوله لسوف : سيقت على الحكاية لقول من قال بهذا المعنى ، والإخراج يراد به البعث (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) احتجاج على صحة البعث ، وردّ على من أنكره ، لأن النشأة الأولى دليل على الثانية (لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) يعنى قرناءهم من الشياطين الذين أضلوهم ، والواو للعطف أو بمعنى مع فيكون الشياطين مفعول معه (جِثِيًّا) جمع جاث ، ووزنه مفعول من قولك : جثا الرجل إذا جلس جلسة الذليل الخائف (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) الشيعة : الطائفة من الناس التي تتفق على