فيه كيف شاءوا ، بل مالك الملك يفعل في ملكه ما يشاء ، وأم الأولى منقطعة بمعنى بل وهمزة الإنكار ، وأما أم الثانية فيحتمل أن تكون كذلك ، أو تكون عاطفة معادلة لما قبلها (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) هذا تعجيز لهم ، وتهكم بهم ، ومعنى يرتقوا يصعدوا ، والأسباب هنا السلالم والطرق ، وشبه ذلك مما يوصل به إلى العلو ، وقيل : هي أبواب السماء ، والمعنى إن كان لهم ملك السموات والأرض فليصعدوا إلى العرش ويدبروا الملك (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) هذا وعيد بهزيمتهم في القتال ، وقد هزموا يوم بدر وغيره ، وما هنالك صفة لجند ، وفيها معنى التحقير لهم ، والإشارة بهنالك إلى حيث وصفوا أنفسهم من الكفر والاستهزاء ، وقيل : الإشارة إلى الارتقاء في الأسباب وهذا بعيد ؛ وقيل الإشارة إلى موضع بدر ، ومن الأحزاب معناه من جملة الأحزاب الذين تعصبوا للباطل فهلكوا.
(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) قال ابن عباس : كانت له أوتاد وخشب يلعب بها وعليها ، وقيل : كانت له أوتاد يسمرها في الناس لقتلهم ، وقيل : أراد المباني العظام الثابتة ، ورجحه ابن عطية ، وقال الزمخشري : إن ذلك استعارة في ثبات الملك كقول القائل : في ظل ملك ثابت الأوتاد (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قد ذكر [الحجر : ٧٨ ، والشعراء : ١٧٦] (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ينظر هنا بمعنى ينتظر ، وهؤلاء يعني قريشا ، والصيحة الواحدة النفخة في الصور وهي نفخة الصعق ، وقيل : الصيحة عبارة عما أصابهم من قتل أو شدة ، والأول أظهر ، وقد روي تفسيرها بذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم (ما لَها مِنْ فَواقٍ) فيه ثلاثة أقوال : الأول مالها رجوع أي لا يرجعون بعدها إلى الدنيا ، وهو على هذا مشتق من الإفاقة ، الثاني مالها من ترداد : أي إنما هي واحدة لا ثانية لها : الثالث مالها من تأخير ولا توقف مقدار فواق ناقة وهي ما بين حلبتي اللبن ، وهذا القول الثالث إنما يجرى على قراءة فواق بالضم لأن فواق الناقة بالضم ، والقولان الأولان على الفتح والضم (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) القط في اللغة له معنيان : أحدها الكتاب ، والآخر النصيب ، وفي معناه هنا ثلاثة أقوال : أحدها نصيبنا من الخير : أي دعوا أن يعجله الله لهم في الدنيا والآخر : نصيبهم من العذاب ، فهو كقولهم : أمطر علينا حجارة من السماء. الثالث صحائف أعمالنا.
(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) الأيد القوة ، وكان داود جمع قوة البدن وقوة الدين والملك والجنود ، والأواب : الرجاع إلى الله ، فإن قيل : ما المناسبة بين أمر الله لسيدنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصبر على أقوال الكفار وبين أمره له بذكر داود؟ فالجواب عندي أن ذكر داود ومن بعده من الأنبياء في هذه السورة فيه