واستغفر ، وسنذكر القصة بعد هذا ، ومعنى تسوّروا المحراب علوا على سوره ودخلوه ، والمحراب : الموضع الأرفع من القصر أو المسجد وهو موضع التعبد ، ويحتمل أن يكون المتسوّر المحراب اثنين فقط ، لأن نفس الخصومة إنما كانت بين اثنين فقط ، فتجيء الضمائر في تسوّروا ، ودخلوا ، وفزع منهم : على وجه التجوز ، والعبارة عن الاثنين بلفظ الجماعة ، وذلك جائز على مذهب من يرى أن أقل الجمع اثنان ، ويحتمل أنه جامع كل واحد من الخصمين جماعة فيقع على تجميعهم خصم ، وتجيء الضمائر المجموعة حقيقة ، وعلى هذا عوّل الزمخشري.
(إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) العامل في إذ هنا تسوروا ، وقيل : هي بدل من الأولى ، وأما إذ الأولى فالعامل فيها أتاك أو تسوروا وردّ الزمخشري ذلك ، وقال : إن العامل فيها محذوف تقديره : هل أتاك نبأ تحاكم الخصم إذ تسوروا ، وإنما فزع داود منهم لأنهم دخلوا عليه بغير إذن ، ودخلوا من غير الباب ، وقيل : إن ذلك كان ليلا (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) تقديره نحن خصمان ، ومعنى بغى تعدى (وَلا تُشْطِطْ) أي لا تجر علينا في الحكم ، يقال : أشط الحاكم إذا جار ، وقرئ في الشاذ : لا تشطط بفتح التاء : أي لا تبعد عن الحق ، يقال : شط إذا بعد (سَواءِ الصِّراطِ) أي وسط الطريق ، ويعني القصد والحق الواضح (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) هذه حكاية كلام أحد الخصمين ، والأخوة هنا أخوة الدين ، والنعجة في اللغة تقع على أنثى بقر الوحش وعلى أنثى الضأن ، وهي هنا عبارة عن المرأة ، ومعنى أكفلنيها : أملكها لي وأصله اجعلها في كفالتي ، وقيل : اجعلها كفلي أي نصيبي ، ومعنى عزّني في الخطاب أي : غلبني في الكلام والمحاورة يقال : عز فلان فلانا إذا غلبه ، وهذا الكلام تمثيل للقصة التي وقع داود فيها. وقد اختلف الناس فيها وأكثروا القول فيها قديما وحديثا حتى قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : من حدّث بما يقول هؤلاء القصاص في أمر داود عليهالسلام جلدته حدّين لما ارتكب من حرمة من رفع الله محله ، ونحن نذكر من ذلك ما هو أشهر وأقرب إلى تنزيه داود عليهالسلام : روي أن أهل زمان داود عليهالسلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته ، وكانت لهم عادة في ذلك لا ينكرونها ، وقد جاء عن الأنصار في أول الإسلام شيء من ذلك ، فاتفق أن وقعت عين داود على امرأة رجل فأعجبته ، فسأله النزول عنها ففعل ، وتزوّجها داود عليهالسلام فولد له منها سليمان عليهالسلام ، وكان لداود تسع وتسعون امرأة ، فبعث الله إليه ملائكة مثالا لقصته ، فقال أحدهما إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة إشارة إلى أن ذلك الرجل لم تكن له إلا تلك المرأة الواحدة ، فقال أكفلنيها إشارة إلى سؤال داود من الرجل النزول عن