إنما عقرها ليأكلها الناس ، وكان زمانهم زمان مجاعة فعقرها تقربا إلى الله ، وقال بعضهم ، لم تفته الصلاة ولا عقر الخيل ، بل كان يصلي فعرضت عليه الخيل فأشار إليهم فأزالوها حتى دخلت اصطبلاتها فلما فرغ من صلاته قال ردّوها عليّ فطفق يمسح عليها بيده كرامة لها ومحبة ، وقيل إن المسح عليها كان وسما في سوقها وأعناقها بوسم حبس في سبيل الله.
(فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) معنى هذا يختلف على حسب الاختلاف في القصة ، فأما الذين قالوا إن سليمان عقر الخيل لما اشتغل بها حتى فاتته الصلاة فاختلفوا في هذا على ثلاثة أقوال : أحدها أن الخير هنا يراد به الخيل ، وزعموا أن الخيل يقال لها خير ، وأحببت بمعنى : آثرت أو بمعنى فعل يتعدى بمن كأنه قال : آثرت حب الخيل فشغلني عن ذكر ربي ، والآخر : أن الخير هنا يراد به المال ، لأن الخيل وغيرها مال فهو كقوله تعالى (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) أي مالا ، والثالث : أن المفعول محذوف ، وحب الخير مصدر والتقدير : أحببت هذه الخيل مثل حب الخير ، فشغلني عن ذكر ربي ، وأما الذين قالوا : كان يصلى فعرضت عليه الخيل فأشار بإزالتها ؛ فالمعنى أنه قال : إني أحببت حب الخير الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي ، وشغلني ذلك عن النظر إلى الخيل (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) الضمير للشمس وإن لم يتقدم ذكرها ، ولكنها تفهم من سياق الكلام وذكر العشي يقتضيها ، والمعنى حتى غابت الشمس ، وقيل : إن الضمير للخيل ، ومعنى توارت بالحجاب دخلت اصطبلاتها والأول أشهر وأظهر (رُدُّوها عَلَيَ) أي قال سليمان : ردوا الخيل عليّ (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) السوق جمع ساق يعني سوق الخيل وأعناقهم : أي جعل يمسحها مسحا ، وهذا المسح يختلف على حسب الاختلاف المتقدم ، هل هو قطعها وعقرها أو مسحها باليد محبة لها ، أو وسمها للتحبيس.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) تفسير هذه الآية يختلف على حسب الاختلاف في قصتها ، وفي ذلك أربعة أقوال : الأول أن سليمان كان له خاتم ملكه وكان فيه اسم الله ، فكان ينزعه إذا دخل الخلاء توقيرا لاسم الله تعالى ، فنزعه يوما ودفعه إلى جارية فتمثل لها جني في صورة سليمان وطلب منها الخاتم فدفعته له ، روي أن اسمه صخر ، فقعد على كرسيّ سليمان يأمر وينهى والناس يظنون أنه سليمان ، وخرج سليمان فارّا بنفسه فأصابه الجوع فطلب حوتا ففتح بطنه فوجد فيه خاتمه ، وكان الجني قد رماه في البحر فلبس سليمان الخاتم وعاد إلى ملكه ، ففتنة سليمان على هذا هي ما جرى له من سلب ملكه ، والجسد الذي ألقي على كرسيه هو الجنيّ الذي قعد عليه وسماه جسدا ، لأنه تصور في صورة إنسان ، ومعنى أناب رجع إلى الله بالاستغفار والدعاء ، أو رجع إلى ملكه ، والقول الثاني أن سليمان كان له امرأة يحبها وكان أبوها ملكا كافرا قد قتله سليمان فسألته أن يضع لها صورة أبيها فأطاعها في ذلك فكانت تسجد للصورة ويسجد معها جواريها ، وصار