بمعنى القوة : كقوله «داود ذا الأيد» (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) معنى أخلصناهم جعلناهم خالصين لنا ، أو أخلصناهم دون غيرهم ، وخالصة صفة حذف موصوفها تقديره : بخصلة خالصة ، وأما الباء في قوله بخالصة فإن كان أخلصناهم بمعنى خالصين ، فالباء سببية للتعليل ، وإن كان أخلصناهم بمعنى جعلناهم خصصناهم فالباء لتعدية الفعل ، وقرأ نافع بإضافة خالصة إلى ذكرى من الباقون تنوين ، وقرأ غيره بالتنوين على أن تكون ذكرى بدلا من خالصة على وجه البيان والتفسير لها ، والدار يحتمل أن يريد به الآخرة أو الدنيا ، فإن أراد به الآخرة ففي المعنى ثلاثة أقوال : أحدها أن ذكرى الدار : يعني ذكرهم للآخرة وجهنم فيها ، والآخر أن معناه تذكيرهم للناس بالآخرة ، وترغيبهم للناس فيما عند الله ، والثالث أن معناه ثواب الآخرة : أي أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة ، والأول أظهر ، وإن أراد بالدار الدنيا فالمعنى حسن الثناء والذكر الجميل في الدنيا ، كقوله : لسان صدق (الْأَخْيارِ) جمع خير بتشديد الياء أو خير المخفف من خير كميت مخفف من ميت (وَذَا الْكِفْلِ) ذكر في الأنبياء : ٨٥.
(هذا ذِكْرٌ) الإشارة إلى ما تقدم في هذه السورة من ذكر الأنبياء ، وقيل الإشارة إلى القرآن بجملته ، والأول أظهر وكأن قوله : هذا ذكر ختام للكلام المتقدم ، ثم شرع بعده في كلام آخر كما يتم المؤلف بابا ثم يقول فهذا باب ثم يشرع في آخر (قاصِراتُ الطَّرْفِ) ذكر في الصافات : ٤٨ (أَتْرابٌ) يعني أسنانهم سواء يقال : فلان ترب فلان إذا كان مثله في السن ، وقيل : إن أسنانهم وأسنان أزواجهم سواء (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) أي ماله من فناء ولا انقضاء.
(هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) تقديره الأمر هذا : لما تم ذكر أهل الجنة ختمه بقوله هذا ثم ابتدأ وصف أهل النار ، ويعني بالطاغين الكفار (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) هذا مبتدأ وخبره حميم فليذوقوه : اعترافا بينهما (١) والحميم الماء الحار والغساق قرأه بالتشديد حفص وحمزة والكسائي والباقي بالتخفيف : غساق بتخفيف السين وتشديدها وهو صديد أهل النار ، وقيل : ما يسيل من عيونهم ، وقيل : هو عذاب لا يعلمه إلا الله (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) آخر معطوف على حميم وغساق تقديره : وعذاب آخر ، قيل : يعني الزمهرير ، ومعنى من شكله من مثله ونوعه أي من مثل العذاب المذكور ، وأزواج معناه أصناف وهو صفة للحميم والغساق والعذاب الآخر والمعنى أنهما أصناف من العذاب ، وقال ابن عطية : آخر مبتدأ ، واختلف في خبره ، فقيل : تقديره ولهم عذاب آخر وقيل : أزواج مبتدأ ومن شكله خبر أزواج ، والجملة خبر آخر ، وقيل : أزواج
__________________
(١). كذا في الأصل ، وفي الطبري جاء تفسير : فليذوقوه : معناه التأخير ، والله أعلم.