خبر الآخر ، ومن شكله في موضع الصفة وقرئ أخر بالجمع وهو أليق أن يكون أزواج خبره لأنه جمع مثله (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) الفوج جماعة من الناس ، والمقتحم الداخل في زحام وشدة ، وهذا من كلام خزنة النار خاطبوا به رؤساء الكفار الذين دخلوا النار أولا ، ثم دخل بعدهم أتباعهم وهو الفوج المشار إليه ، وقيل : هو كلام أهل النار بعضهم لبعض ، والأول أظهر (لا مَرْحَباً بِهِمْ) أي لا يلقون رحبا ولا خيرا ، وهو دعاء من كلام رؤساء الكفار : أي لا مرحبا بالفوج الذين هم أتباع لهم (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) هذا حكاية كلام الأتباع للرؤساء لما قالوا لهم : لا مرحبا بهم ، أجابوهم بقولهم (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) هذا أيضا من كلام الأتباع خطابا للرؤساء ، وهو تعليل لقولهم : بل أنتم لا مرحبا بكم ، والضمير في قدمتموه للعذاب ، ومعنى قدمتموه أوجبتموه لنا بما قدمتم في الدنيا من إغوائنا ، وأمركم لنا بالكفر (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) هذا أيضا من كلام الأتباع دعوا إلى الله تعالى أن يضاعف العذاب لرؤسائهم ، الذين أوجبوا لهم العذاب فهو كقولهم : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) والضعف زيادة المثل.
(وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) الضمير في وقالوا لرؤساء الكفار ، وقيل : للطاغين والرجال هم ضعفاء المؤمنين ، وقيل : إن القائلين لذلك أبو جهل لعنه الله وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأمثالهم وأن الرجال المذكورين هم عمّار وبلال وصهيب وأمثالهم ، واللفظ أعم من ذلك والمعنى أنهم قالوا في جهنم : مالنا لا نرى في النار رجالا كنا في الدنيا نعدّهم من الأشرار (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) قرئ أتخذناهم بهمزة قطع ومعناه : توبيخ أنفسهم على اتخاذهم المؤمنين سخريا ، وقرئ بألف وصل على أن يكون الجملة صفة لرجال (١) وقرأ نافع وحمزة والكسائي سخريا بالرفع والباقون بالكسر سخريا بضم السين من التسخير بمعنى الخدمة وبالكسر بمعنى الاستهزاء (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) هذا يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون معادلا لقولهم : ما لنا لا نرى رجالا ، والمعنى مالنا لا نراهم في جهنم فهم ليسوا فيها أم هم فيها ولكن زاغت عنهم أبصارنا ، ومعنى زاغت عنهم مالت فلم نرهم. الثاني أن يكون معادلا لقولهم : أتخذناهم سخريا والمعنى أتخذناهم سخريا. وأم زاغت الأبصار على هذا : مالت عن النظر إليهم احتقارا لهم. الثالث أن تكون أم منقطعة بمعنى بل والهمزة فلا تعادل شيئا مما قبلها (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌ) الإشارة إلى ما تقدم من حكاية أقوال أهل النار ثم فسره بقوله (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وإعراب تخاصم بدل من
__________________
(١). قرأ نافع وحمزة والكسائي سخريا بالرفع والباقون بالكسر.