(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) قيل : إنها نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير ، إذ دعاهم أبو بكر الصديق إلى الإيمان فآمنوا ، وقيل : نزلت في أبي ذر وسلمان ، وهذا ضعيف ، لأن سلمان إنما أسلم بالمدينة والآية مكية والأظهر أنها عامة ، والطاغوت كل ما عبد من دون الله ، وقيل : الشياطين (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) قيل : يستمعون القول على العموم فيتبعون القرآن ، لأنه أحسن الكلام وقيل : يستمعون القرآن فيتبعون بأعمالهم أحسنه من العفو الذي هو أحسن من الإنتصار ، وشبه ذلك وقيل : هو الذي يستمع حديثا فيه حسن وقبيح فيتحدّث بالحسن ويكف عما سواه ، وهذا قول ابن عباس ، وهو الأظهر وقال ابن عطية : هو علم في جميع الأقوال ؛ والقصد الثناء على هؤلاء ببصائر ونظر سديد يفرقون به بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ ، فيتبعون الأحسن من ذلك ، وقال الزمخشري مثل هذا المعنى (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) فيها وجهان : أحدهما أن يكون الكلام جملة واحدة تقديره : أفمن حق عليه كلمة العذاب أأنت تنقذه ، فموضع من في النار موضع المضمر ، والهمزة في قوله أفأنت هي الهمزة التي في قوله أفمن. وهي همزة الإنكار كرّرت للتأكد ، والثاني أن يكون التقدير أفمن حق عليه العذاب تتأسف عليه ، فحذف الخبر ثم استأنف قوله أفأنت تنقذ من في النار؟ وعلى هذا يوقف على العذاب ، والأول أرجح لعدم الإضمار (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) معنى سلكه أدخله وأجراه ، والينابيع : جمع ينبوع وهو العين ، وفي هذا دليل على أن ماء العيون من المطر (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي أصنافه كالقمح والأرز والفول وغير ذلك ، وقيل : ألوانه الخضرة والحمرة وشبه ذلك ، وفي الوجهين دليل على الفاعل المختار ورد على أهل الطبائع [الملحدين].
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) تقديره : أفمن شرح الله صدره كالقاسي قلبه ، وروي أن الذي شرح الله صدره للإسلام عليّ بن أبي طالب وحمزة ، والمراد بالقاسية قلوبهم أبو لهب وأولاده ، واللفظ أعم من ذلك (مِنْ ذِكْرِ اللهِ) قال الزمخشري : من هنا سببية أي قلوبهم قاسية من أجل ذكر الله ، وهذا المعنى بعيد ، ويحتمل عندي أن يكون قاسية تضمن معنى خالية ، فلذلك تعدى بمن ، والمعنى : أن قلوبهم خالية من ذكر الله.