(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) يعني القرآن (كِتاباً) بدل من أحسن أو حال منه (مُتَشابِهاً) معناه هنا أنه يشبه بعضه بعضا في الفصاحة والنطق بالحق وأنه ليس فيه تناقض ولا اختلاف (مَثانِيَ) جمع مثان أي تثنى فيه القصص وتكرر ، ويحتمل أن يكون مشتقا من الثناء ، لأنه يثنى فيه على الله ، فإن قيل : مثاني جمع فكيف وصف به المفرد؟ فالجواب : أن القرآن ينقسم فيه إلى سور وآيات كثيرة فهو جمع بهذا الإعتبار ، ويجوز أن يكون كقولهم : برمة أعشار ، وثوب أخلاق ، أو يكون تمييزا من متشابها كقولك : حسن شمائل (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) إن قيل : كيف تعدّي تلين بإلى؟ فالجواب أنه تضمن معنى فعل تعدى بإلى كأنه قال تميل أو تسكن أو تطمئن قلوبهم إلى ذكر الله. فإن قيل : لم ذكرت الجلود أولا وحدها ثم ذكرت القلوب بعد ذلك معها؟ فالجواب : أنه لما قال أولا تقشعر ذكر الجلود وحدها ، لأن القشعريرة من وصف الجلود لا من وصف غيرها ، ولما قال ثانيا تلين ذكر الجلود والقلوب ، لأن اللين توصف به الجلود والقلوب : أما لين القلوب فهو ضدّ قسوتها ، وأما لين الجلود فهو ضد قشعريرتها فاقشعرت أولا من الخوف ، ثم لانت بالرجاء (ذلِكَ هُدَى اللهِ) يحتمل أن تكون الإشارة إلى القرآن أو إلى الخشية واقشعرار الجلود (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) الخبر محذوف كما تقدم في نظائره تقديره : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن هو آمن من العذاب ومعنى يتقي يلقى النار بوجهه ليكفها عن نفسه ، وذلك أن الإنسان إذا لقي شيئا من المخاوف استقبله بيديه ، وأيدي هؤلاء مغلولة ، فاتقوا النار بوجوههم (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي ذوقوا جزاء ما كنتم تكسبون من الكفر والعصيان.
(قُرْآناً عَرَبِيًّا) نصب على الحال أو بفعل مضمر على المدح (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي ليس فيه تضادّ ولا اختلاف ، ولا عيب من العيوب التي في كلام البشر ، وقيل معناه : غير مخلوق وقيل : غير ذي لحن ، فإن قيل : لم قال غير ذي عوج ولم يقل غير معوج؟ فالجواب : أن قوله غير ذي عوج أبلغ في نفي العوج عنه كأنه قال : ليس فيه شيء من العوج أصلا (رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) أي متنازعون متظالمون ، وقيل : متشاجرون وأصله من قولك : رجل شكس إذا كان ضيق الصدر ، والمعنى ضرب هذا المثل لبيان حال من يشرك بالله ومن يوحده ، فشبه المشرك بمملوك بين جماعة من الشركاء يتنازعون فيه ،