حذفت هذه المضافات ، ومعنى أو أدنى أو أقرب وأو هنا مثل قوله : (أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] وأشبه التأويلات فيها أنه إذا نظر إليه البشر احتمل عنده أن يكون قاب قوسين أو يكون أدنى ، وهذا الذي ذكرنا أن هذه الضمائر المتقدمة لجبريل هو الصحيح ، وقد ورد ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث الصحيح ، وقيل : إنها لله تعالى ، وهذا القول يردّ عليه الحديث والعقل ، إذ يجب تنزيه الله تعالى عن تلك الأوصاف من الدنو والتدلي وغير ذلك (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) في هذه الضمائر ثلاثة أقوال : الأول أن المعنى أوحى الله إلى عبده محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أوحى. الثاني أوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى ، وعاد الضمير على الله في القولين ، لأن سياق الكلام يقتضي ذلك وإن لم يتقدم ذكره ، فهو كقوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر. الثالث أوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى ، وفي قوله : ما أوحى إبهام مراد يقتضي التفخيم والتعظيم (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (١) أي ما كذب فؤاد محمد صلىاللهعليهوسلم ما رآه بعينه ، بل صدق بقلبه أن الذي رآه بعينه حق ، والذي رأى هو جبريل ، يعني حين رآه بمقدار ملأ الأفق ، وقيل : رأى ملكوت السموات والأرض ، والأول أرجح لقوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) وقيل : الذي رآه هو الله تعالى ، وقد أنكرت (٢) ذلك عائشة ، وسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل رأيت ربك؟ فقال : نور أنّى أراه؟ (٣) (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) (٤) هذا خطاب لقريش ، والمعنى أتجادلونه على ما يرى ، وكانت قريش قد كذبت لما قال إنه رأى ما رأى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أي لقد رأى محمد جبريل عليهما الصلاة والسلام مرة أخرى وهو ليلة الإسراء ، وقيل : ضمير المفعول لله تعالى ، وأنكرت ذلك عائشة ، وقالت : من زعم أن محمدا رأى ربه ليلة الإسراء فقد أعظم الفرية على الله تعالى. (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (٥) هي شجرة في السماء السابعة قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ثمرتها كالقلال وورقها كآذان الفيلة ، وسميت سدرة المنتهى ؛ لأن إليها ينتهي علم كل عالم ، ولا يعلم ما وراءها إلا الله تعالى. وقيل : سميت بذلك لأن ما نزل من أمر الله يلتقي عندها ، فلا يتجاوزها ملائكة العلو إلى أسفل ، ولا يتجاوزها ملائكة السفل إلى أعلى (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) يعني أن الجنة التي
__________________
(١). قرأ هشام عن ابن عامر : ما كذّب الفؤاد. وقرأ الباقون بالتخفيف : ما كذب.
(٢). روى الترمذي في كتاب التفسير (٦) ص ٢٦٢ ج ٥ عن عائشة قالت : ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله العزية : من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم العزية على الله والله يقول : لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.. إلخ.
(٣). رواه مسلم عن أبي ذر ج ١ / ١٦١ كتاب الإيمان.
(٤). أفتمارونه على ما يرى : قرأها حمزة والكسائي أفتمرونه : بدون ألف والباقون بالألف.
(٥). ورد الحديث عن سدرة المنتهى في البخاري كتاب مناقب الأنصار ص ٢٤٨ ج ٤.