وفسادها (مِنْ باقِيَةٍ) أي من بقية ، وقيل : من فئة باقية وقيل : إنه مصدر بمعنى البقاء.
(وَمَنْ قَبْلَهُ) يريد من تقدم قبله من الأمم الكافرة ، وأقربهم إليه قوم شعيب ، والظاهر أنهم المراد لأن عادا وثمود قد ذكرا ، وقوم لوط هم المؤتفكات ، وقوم نوح قد أشير إليهم في قوله : لما طغى الماء حملناكم في الجارية ، وقرأ [أبو عمرو والكسائي قبله] بكسر القاف وفتح الباء ومعناه : جنده وأتباعه (بِالْخاطِئَةِ) إما أن يكون مصدرا بمعنى الخطيئة أو صفة لمحذوف تقديره : بالفعلة الخاطئة (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) إن عاد الضمير على فرعون وقومه ، فالرسول موسى عليهالسلام ، وإن عاد على المؤتفكات : فالرسول لوط عليهالسلام ، وإن عاد على الجميع : فالرسول اسم جنس أو بمعنى الرسالة (رابِيَةً) أي عظيمة وهي من قولك : ربا الشيء إذا كثر (طَغَى الْماءُ) عبارة عن كثرته ، فيحتمل أن يريد أنه طغى على أهل الأرض ، أو على خزانه يعني وقت طوفان نوح عليهالسلام (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) هي السفينة ، فإن أراد سفينة نوح فمعنى حملناكم حملنا آباءكم لأن كل من على الأرض من ذرية نوح وأولاده الثلاثة الذين كانوا معه في السفينة ، وإن أراد جنس السفن فالخطاب على حقيقته.
(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً) الضمير للفعلة وهي الحمل في السفينة وقيل : للسفينة ، فإن أراد جنس السفن : فالمعنى أنها تذكرة بقدرة الله ونعمته لمن ركب أو سمع بها ، وإن أراد سفينة نوح فقد قيل : إن الله أبقاها حتى رأى بعض عيدانها أول هذه الأمة (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) الضمير يعود على ما عاد عليه ضمير لنجعلها ، وهذا يقوي أن يكون للفعلة ، والأذن الواعية : هي التي تفهم ما تسمع وتحفظه ، يقال : وعيت العلم إذا حصلته ، ولذلك عبّر بعضهم عنها بأنها التي عقلت عن الله ، وروي (١) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لعلي بن أبي طالب : إني دعوت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ ، قال عليّ فما نسيت بعد ذلك شيئا سمعته ، قال الزمخشري : إنما قال : أذن واعية بالتوحيد والتنكير ، للدلالة على قلة الوعاة ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم ، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا عقلت عن الله تعالى فهي المعتبرة عند الله دون غيرها (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) يعني نفخة الصور وهي الأولى (فَدُكَّتا) الضمير للأرض والجبال ، ومعنى دكتا ضرب بعضها ببعض حتى تندق ، وقال الزمخشري : الدك أبلغ من الدق ، وقيل : معناه بسطت حتى تستوي الأرض والجبال.
(وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي قامت القيامة ، وقيل : وقعت صخرة بيت المقدس وهذا ضعيف
__________________
(١). روى هذا الحديث الإمام الطبري في تفسيره للآية بسنده إلى مكحول وبريدة الأسلمي.