سورة المعارج
مكية وآياتها ٤٤ نزلت بعد الحاقة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) من قرأ (١) سأل بالهمز احتمل معنيين أحدهما أن يكون بمعنى الدعاء ، أي دعا داع بعذاب واقع ، وقد تكون الإشارة إلى قول الكفار : أمطر علينا حجارة من السماء ، وكان الذي قالها النضر بن الحرث ، والآخر أن يكون بمعنى الاستخبار ، أي سأل سائل عن عذاب واقع ، والباء على هذا بمعنى عن ، وتكون الإشارة إلى قوله متى هذا الوعد؟ وغير ذلك ، وأما من قرأ سال بغير همز فيحتمل وجهين. أحدهما : أن يكون مخففا من المهموز ، فيكون فيه المعنيان المذكوران ، والثاني أن يكون من سال السيل إذا جرى ، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس : سال سيل ، وتكون الباء على هذا كقولك ذهبت بزيد ، وإذا كان من السيل احتمل وجهين : أحدهما أن يكون شبّه العذاب في شدته وسرعة وقوعه بالسيل وثانيهما أن تكون حقيقة قال زيد بن ثابت : في جهنم واد يقال له سائل ، فتلخص من هذا أن في القراءة بالهمز يحتمل معنيين وفي القراءة بغير همز أربعة معان (لِلْكافِرينَ) يحتمل أن يتعلق بواقع وتكون اللام بمعنى على ، أو تكون صفة للعذاب ، أو يتعلق بسأل إذا كانت بمعنى دعا ، أي دعا للكافرين بعذاب ، أو تكون مستأنفا كأنه قال : هو للكافرين (مِنَ اللهِ) يحتمل أن يتعلق بواقع أي واقع من عند الله ، أو بدافع أي ليس له دافع من عند الله ، أو يكون صفة للعذاب أو مستأنفا (ذِي الْمَعارِجِ) جمع معرج وهو المصعد إلى علو كالسلم ، والمدارج التي يرتقى بها قال ابن عطية : هي هنا مستعارة في الفضائل والصفات الحميدة ، وقيل : هي المراقي إلى السماء ، وهذا أظهر لأنه فسرها بما بعدها من عروج الملائكة.
(وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) أي إلى عرشه ، ومن حيث تهبط أوامره وقضاياه ، فالعروج هو من الأرض إلى العرش ، والروح هنا جبريل عليهالسلام بدليل قوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) [الشعراء : ١٩٣] وقيل : الروح ملائكة حفظة على الملائكة ، وهذا ضعيف مفتقر إلى صحة نقل. وقيل : الروح جنس أرواح الناس وغيرهم (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ
__________________
(١). وهي قراءة نافع وابن عامر.