سورة نوح عليهالسلام
مكية وآياتها ٢٨ نزلت بعد النحل
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(أَنْ أَنْذِرْ) و (أَنِ اعْبُدُوا) يحتمل أن تكون أن مفسرة أو مصدرية على تقدير بأن أنذر وبأن اعبدوا والأول أظهر (عَذابٌ أَلِيمٌ) يحتمل أن يريد عذاب الآخرة أو الغرق الذي أصابهم (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) من هنا للتبعيض أي يغفر لكم ما فعلتم من الذنوب قبل أن تسلموا ؛ لأن الإسلام يجبّ ما قبله ، ولم يضمن أن يغفر لهم ما بعد إسلامهم ، لأن ذلك في مشيئة الله تعالى ، وقيل : إن من هنا زائدة وذلك باطل لأن من لا تزاد عند سيبويه إلا في غير الواجب. وقيل : هي لبيان الجنس وقيل : لابتداء الغاية وهذان القولان ضعيفان في المعنى ، والأول هو الصحيح لأن التبعيض فيه متجه (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ظاهر هذا يقتضي أنهم إن فعلوا ما أمروا به أخروا إلى أجل مسمى ؛ وإن لم يفعلوا لم يؤخروا ، وذلك يقتضى القول بالأجلين. وهو مذهب المعتزلة وعلى هذا حملها الزمخشري ، وأما على مذهب أهل السنة ، فهي من المشكلات وتأولها ابن عطية فقال : ليس للمعتزلة في الآية مجال لأن المعنى أن نوحا عليه الصلاة والسلام لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل؟ ولا قال لهم : إنكم تؤخرون عن أجل قد حان. لكن قد سبق في الأزل إما ممن قضى له بالإيمان والتأخير أو ممن قضى له بالكفر والمعاجلة. وكأن نوحا عليهالسلام قال لهم : آمنوا يظهر في الوجود أنكم ممن قضى له بالإيمان والتأخير. وإن بقيتم على كفركم يظهر في الوجود أنكم ممن قضى عليه بالكفر والمعاجلة ، فكان الاحتمال الذي يقتضيه ظاهر الآية إنما هو فيما يبرزه الغيب من حالهم ؛ إذ يمكن أن يبرز إما الإيمان والتأخير ، وإما الكفر والمعاجلة ، وأما عند الله فالحال الذي يكون منهم معلوم مقدر محتوم ، وأجلهم كذلك معلوم مقدر محتوم.
(إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) هذا يقتضي أن الأجل محتوم كما قال تعالى : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس : ٤٩] وفي هذا حجة لأهل السنة