سورة المزمل
مكية إلا الآيات ١٠ و ١١ و ٢٠ فمدنية وآياتها ٢٠ نزلت بعد القلم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) نداء للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ووزن المزمل متفعل فأصله متزمل. ثم سكنت التاء وأدغمت في الزاي وفي تسمية النبي صلىاللهعليهوسلم بالمزمل ثلاثة أقول أحدها أنه كان في وقت نزول الآية متزملا في كساء أو لحاف ، والتزمل الالتفاف في الثياب بضم وتشمير هذا قول عائشة والجمهور ، والثاني أنه كان قد تزمل في ثيابه للصلاة ، الثالث أن معناه المتزمل للنبوّة أي المتشمر ، المجدّ في أمرها والأول هو الصحيح لما ورد في البخاري ومسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما جاءه الملك وهو في غار حراء في ابتداء الوحي رجع صلىاللهعليهوسلم إلى خديجة ترعد فرائصه فقال : زملوني زملوني فنزلت يا أيها المدثر ، وعلى هذا نزلت يا أيها المزمل فالمزمل على هذا تزمله من أجل الرعب الذي أصابه أول ما جاءه جبريل. وقال الزمخشري : كان نائما في قطيفة فنودي : يا أيها المزمل ، ليبين الله الحالة التي كان عليها من التزمل في القطيفة ، لأنه سبب للنوم الثقيل المانع من قيام الليل. وهذا القول بعيد غير سديد.
وقال السهيلي في ندائه بالمزمل فائدتان : إحداهما الملاطفة فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها ، كقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعلي : قم أبا تراب ، والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد بالليل ليتنبه إلى ذكر الله ، لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه المخاطب وكل من اتصف بتلك الصفة (قُمِ اللَّيْلَ) هذا الأمر بقيام الليل اختلف هل هو واجب أو مندوب ، فعلى القول بالندب فهو ثابت غير منسوخ ، وأما على القول بالوجوب ففيه ثلاثة أقوال : أحدها أنه فرض على النبي صلىاللهعليهوسلم وحده ، ولم يزل فرضا عليه حتى توفي ، الثاني أنه فرض عليه وعلى أمته فقاموا حتى انتفخت أقدامهم ، ثم نسخ بقوله في آخر السورة : إن ربك يعلم أنك تقوم الآية : وصار تطوعا ، هذا قول عائشة رضي الله عنها وهو الصحيح ، واختلف كم بقي فرضا فقالت عائشة عاما وقيل : ثمانية أشهر وقيل : عشرة أعوام فالآية الناسخة على هذا مدنية ، الثالث أنه فرض عليه صلىاللهعليهوسلم وعلى أمته وهو ثابت غير منسوخ ، ولكن ليس الليل كله إلا ما تيسر منه ، وهو مذهب الحسن وابن سيرين (إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ)