سورة الغاشية
مكية وآياتها ٢٦ نزلت بعد الذاريات
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(هَلْ أَتاكَ) توقيف [سؤال] يراد به التنبيه والتفخيم للأمر ، قيل : هل بمعنى قد وهذا ضعيف (الْغاشِيَةِ) هي القيامة لأنها تغشى جميع الخلق ، وقيل : هي النار من قوله : (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [ابراهيم : ٥٠] وهذا ضعيف لأنه ذكر بعد ذلك قسمين أهل الشقاوة وأهل السعادة (خاشِعَةٌ) أي ذليلة (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) هو من النصب بمعنى التعب ، وفي المراد بهم ثلاثة أقوال : أحدهما أنهم الكفار ويحتمل على هذا أن يكون عملهم ونصبهم في الدنيا لأنهم كانوا يعملون أعمال السوء ويتعبون فيها ، أو يكون في الآخرة فيعملون فيها عملا يتعبون فيه من جر السلاسل والأغلال وشبه ذلك ويكون زيادة في عذابهم : الثاني : أنها في الرهبان الذين يجتهدون في العبادة ولا تقبل منهم ، لأنهم على غير الإسلام وبهذا تأولها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وبكى رحمة لراهب نصراني رآه مجتهدا. فعاملة ناصبة على هذا في الدنيا وناصبة إشارة إلى اجتهادهم في العمل ، أو إلى أنه لا ينفعهم فليس لهم منه إلا النصب. الثالث أنها في القدرية. وقد روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر القدرية فبكى وقال إن فيهم المجتهد (١).
(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي شديدة الحر ، ومنه حميم آن ، [الرحمن : ٤٤] ووزن آنية هنا فاعلة بخلاف آنية من فضة فإن وزنه أفعلة (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) في الضريع أربعة أقوال : أحدهما أنه شوك يقال له الشبرق وهو سم قاتل وهذا أرجح لأقوال ؛ لأن أرباب اللغة ذكروه ولأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : الضريع شوك في النار. الثاني : أنه الزقوم لقوله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ). [الدخان : ٤٣] الثالث : أنه نبات أخضر منتن ينبت في البحر وهذا ضعيف ، الرابع أنه واد في جهنم وهذا ضعيف لأن ما يجري في الوادي ليس بطعام إنما هو شراب ، ولله در من قال : الضريع طعام أهل النار فإنه أعم وأسلم من عهدة التعيين. واشتقاقه عند بعضهم من المضارعة ، بمعنى المشابهة لأنه يشبه الطعام الطيب وليس به ،
__________________
(١). في الآية بعدها : تصلى نارا حامية. قرأ أبو عمرو وأبو بكر : تصلى. لتتوازن مع : تسقى التي بعدها.