سورة البيّنة
مدنية وآياتها ٨ نزلت بعد الطلاق
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
ذكر الله الكفار ثم قسمهم إلى صنفين أهل الكتاب والمشركين ، وذكر أن جميعهم لم يكونوا منفكين حتى تأتيهم البينة ، وتقوم عليهم الحجة ببعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ومعنى منفكين : منفصلين ، ثم اختلف في هذا الانفصال على أربعة أقوال : أحدها أن المعنى لم يكونوا منفصلين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة لتقوم عليهم الحجة. الثاني لم يكونوا منفصلين عن معرفة نبوة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم حتى بعثه الله. الثالث اختاره ابن عطية وهو لم يكونوا منفصلين عن نظر الله وقدرته ، حتى يبعث الله إليهم رسولا يقيم عليهم الحجة الرابع وهو الأظهر عندي أن المعنى لم يكونوا لينفصلوا من الدنيا حتى بعث الله لهم سيدنا محمدا صلىاللهعليهوسلم فقامت عليهم الحجة ، لأنهم لو انفصلت الدنيا دون بعثه : (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) [طه : ١٣٤] فلما بعثه الله لم يبق لهم عذر ولا حجة ، فمنفكين على هذا كقولك : لا تبرح أو لا تزول حتى يكون كذا وكذا (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) يعني سيدنا محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وإعرابه بدل من البينة أو خبر ابتداء مضمر (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) يعني القرآن في صحفه (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أي قيمة بالحق مستقيمة بالمعاني ، ووزن قيّمة فيعلة وفيه مبالغة قال ابن عطية : هذا على حذف مضاف تقديره : فيها أحكام كتب ولا يحتاج هذا إلى الحذف لأن الكتب بمعنى المكتوبات.
(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي ما اختلفوا في نبوة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم إلا من بعد ما علموا أنه حق ، ويحتمل أن يريد تفرقهم في دينهم كقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) [فصلت : ٤٥] وإنما خص الذين أوتوا الكتاب بالذكر هنا بعد ذكرهم مع غيرهم في أول السورة ؛ لأنهم كانوا يعلمون صحة نبوّة سيدنا محمد صلى الله عليه تعالى وآله وسلم ، بما يجدون في كتبهم من ذكره (وَما أُمِرُوا) الآية : هنا معناها : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بعبادة الله ، ولكنهم حرّفوا أو بدّلوا ، ويحتمل أن يكون المعنى ما أمروا في القرآن إلا بعبادة الله ، فلأيّ شيء ينكرونه ويكفرون به (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) استدل المالكية بهذا على وجوب النية في الوضوء ، وهو بعيد لأن الإخلاص هنا يراد