سورة الفيل
مكية وآياتها ٥ نزلت بعد الكافرون
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
نزلت هذه السورة منبهة على العبرة في قصة الفيل ، التي وقعت في عام مولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنها تدل على كرامة الله للكعبة ، وإنعامه على قريش بدفع العدو عنهم ، فكان يجب عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به ، وفيها مع ذلك عجائب من قدرة الله وشدة عقابه ، وقد ذكرت القصة في كتب السير وغيرها واختصارها : أن أبرهة ملك الحبشة بنى بيتا باليمن ، وأراد أن يحج الناس إليه كما يحجون إلى الكعبة فذهب أعرابي وأحدث في البيت [قضى حاجته] فغضب أبرهة وحلف أن يهدم الكعبة ، فاحتفل في جموعه وركب الفيل وقصد مكة. فلما وصل قريبا منها فرّ أهلها إلى الجبال وأسلموا له الكعبة ، وأخذ لعبد المطلب مائتي بعير. فكلّمه فيها فقال له : كيف تكلمني في الإبل ولا تكلمني في الكعبة ، وقد جئت لهدمها وهي شرفك وشرف قومك؟ فقال له : أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه فبرك الفيل بذي الغميس ، ولم يتوجه إلى مكة فكانوا إذا وجهوه إلى غيرها هرول ، وإذا وجهوه إليها توقف ولو بضعوه بالحديد ، فبينما هم كذلك أرسل الله عليهم طيورا سودا وقيل : خضرا عند كل طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه ، فرمتهم الطيور بالحجارة ، فكان الحجر يقتل من وقع عليه ووقع في سائرهم الجدري والأسقام. وانصرفوا فماتوا في الطريق متفرقين في المراحل وتقطع أبرهة أنملة أنملة.
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) معناه : ألم تعلم وكيف في موضع نصب بفعل ربك لا بألم تر والجملة معمول ألم تر في تضليل أي إبطال وتخسير (أَبابِيلَ) معناها جماعات شيئا بعد شيء قال الزمخشري واحدها أبالة وقال جمهور الناس هو جمع لا واحد له من لفظه (بِحِجارَةٍ) روي أن كل حجر منها كان فوق العدسة ودون الحمصة. قال ابن عباس : إنه أدرك عند أم هانئ نحو قفتين من هذه الحجارة ، وأنها كانت مخططة بحمرة وروي أنه كان على كل حجر اسم من يقع عليه مكتوبا (سِجِّيلٍ) قد ذكر (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) العصف ورق الزرع وتبنه والمراد أنهم صاروا رميما ، وفي تشبيههم به ثلاثة أوجه الأول أنه شبههم بالتبن إذا أكلته الدواب ثم راثته فجمع التلف والخسة ، ولكن الله كنّى عن هذا على حسب آدب القرآن. الثاني أنه أراد ورق الزرع إذا أكلته الدود. الثالث أنه أراد كعصف مأكول زرعه وبقي هو لا شيء.