يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) [المائدة : ٧٥] فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم فتبطل مقالة الكفار والثاني : أن الوالد إنما يتخذ ولدا للحاجة إليه ، والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولدا وإلى هذا أشار بقوله : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُ) [يونس : ٦٨] الثالث : أن جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوة وإلى هذا أشار بقوله تعالى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم : ٩٣] الرابع أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة ، والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولد وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) [الأنعام : ١٠١] (وَلَمْ يُولَدْ) هذا رد على الذين قالوا : أنسب لنا ربك ، وذلك أن كل مولود محدث ، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده ، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره ، فلا يمكن أن يكون مولودا تعالى عن ذلك (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) الكفؤ هو النظير والمماثل قال الزمخشري يجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح ، فيكون نفيا للصاحبة وهذا بعيد والأول هو الصحيح ومعناه أن الله ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل ، ويجوز في كفوءا ضم الفاء وإسكانها مع ضم الكاف ، وقد قرئ بالوجهين ويجوز أيضا كسر الكاف وإسكان الفاء ، ويجوز كسر الكاف وفتح الفاء والمدّ ويجوز فيه الهمزة والتسهيل (١) وانتصب كفوا على أنه خبر كان ، وأحد اسمها قال ابن عطية : ويجوز أن يكون كفوا حالها لكونه كان صفة للنكرة فقدم عليها ، فإن قيل : لم قدّم المجرور وهو له على اسم كان وخبرها ، وشأن الظرف إذا وقع غير خبر أن يؤخر؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أنه قدم للاعتناء به والتعظيم ، لأنه ضمير الله تعالى وشأن العرب تقديم ما هو أهم وأولى. والآخر أن هذا المجرور به يتم معنى الخبر وتكمل فائدته ، فإنه ليس المقصود نفي الكفؤ مطلقا إنما المقصود نفي الكفؤ عن الله تعالى ، فلذلك اعتنى بهذا المجرور الذي يحرز هذا المعنى ، فقدم.
فإن قيل : إن قوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يقتضي نفي الولد والكفؤ فلم نص على ذلك بعده؟ فالجواب أن هذا من التجريد ، وهو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في عموم ما تقدم ، كقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] ويفعل ذلك لوجهين يصح كل واحد منهما هنا ؛ أحدهما الاعتناء ، ولا شك أن نفي الولد والكفؤ عن الله ينبغي الاعتناء به للرد على من قال خلاف ذلك من الكفار. والآخر الإيضاح والبيان ، فإن دخول الشيء في ضمن العموم ليس كالنص عليه فنص على هذا بيانا. وإيضاحا للمعنى ومبالغة في الرد على الكفار ، وتأكيدا لإقامة الحجة عليهم.
__________________
(١). قرأ حفص بالتسهيل : كفوا وقرأ الباقون بالهمزة : كفؤا وحمزة بسكون الفاء كفؤا.