سورة الناس
مكية وآياتها ٦ نزلت بعد الفلق
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) إن قيل لم أضاف الرب إلى الناس خاصة وهو رب كل شيء؟ فالجواب أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس ، فخصهم بالذكر لأنهم المعوذين بهذا التعويذ والمقصودون هنا دون غيرهم (مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) هذا عطف بيان ، فإن قيل : لم قدم وصفه تعالى برب ثم بملك ثم بإله؟ فالجواب أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى وذلك أن الرب قد يطلق على كثير من الناس ، فيقال فلان رب الدار ، وشبه ذلك فبدأ به لاشتراك معناه ، وأما الملك فلا يوصف به إلا أحد من الناس ، وهم الملوك ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس ، فلذلك جاء به بعد الرب ، وأما الإله فهو أعلى من الملك ولذلك لا يدعي الملوك أنهم آلهة فإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير فلذلك ختم به فإن قيل : لم أظهر المضاف إليه وهو الناس في المرة الثانية والثالثة فهلا أضمره في المرتين لتقديم ذكره في قوله برب الناس أو هلا اكتفى بإظهاره في المرة الثانية؟ فالجواب أنه لما كان عطف بيان حسن فيه البيان وهو الإظهار دون الإضمار ، وقصد أيضا الاعتناء بالمكرر ذكره كقول الشاعر
لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
يبغص الموت ذا الغنى والفقير |
(الْوَسْواسِ) وهو مشتق من الوسوسة وهي الكلام الخفي ، فيحتمل أن يكون الوسواس بمعنى الموسوس فكأنه اسم فاعل وهذا يظهر من قول ابن عطية : الوسواس من اسماء الشيطان ، ويحتمل أن يكون مصدرا وصف به الموسوس على وجه المبالغة ، كعدّل وصوّم أو على حذف مضاف تقديره ذي الوسواس وقال الزمخشري : إنما المصدر وسواس بالكفر (الْخَنَّاسِ) معناه الراجع على عقبه المستمر أحيانا وذلك متمكن في الشيطان فإنه يوسوس فإذا ذكر العبد الله وتعوذ به منه تباعد عنه ، ثم رجع إليه عند الغفلة عن الذكر ، وهو يخنس في تباعده ثم في رجوعه بعد ذلك (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) وسوسة