سورة النور
مدنية وآياتها ٦٤ نزلت بعد الحشر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
سورة النور
(سُورَةٌ أَنْزَلْناها) السورة خبر ابتداء مضمر ، أو مبتدأ وخبره محذوف تقديره فيما أنزل عليكم سورة ، وأنزلناها صفة للسورة ، وفرضناها : أي فرضنا الأحكام التي فيها وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : [فرّضناها] بالتشديد للمبالغة (آياتٍ بَيِّناتٍ) يعني ما فيها من المواعظ والأحكام والأمثال ، وقيل : معنى بينات هنا ليس فيها مشكل (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) الزانية والزاني يراد بهما الجنس ، وقدم الزانية لأن الزنا كان حينئذ في النساء أكثر ، فإنه كان منهنّ إماء وبغايا يجاهرن بذلك ، وإعراب الزاني والزانية كإعراب : السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، وقد ذكر في [المائدة : ٣٨] وهذه الآية ناسخة بإجماع لما في سورة [النساء : ١٤] من الإمساك في البيوت ، في الآية الواحدة ومن الأذى في الأخرى ، ثم إن لفظ هذه الآية عند مالك ليس على عمومه ، فإن جلد المائدة إنما هو حدّ الزاني والزانية إذا كانا مسلمين حرين غير محصنين ، فيخرج منها الكفار ، فيردّون إلى أهل دينهم ، ويخرج منها العبد والأمة والمحصن والمحصنة ، فأما العبد والأمة : فحدّهما خمسون جلدة سواء كانا محصنين أو غير محصنين ، وأما المحصنان الحران فحدّهما الرجم هذا على مذهب مالك.
وأما الكلام على الآية بالنظر إلى سائر المذاهب ، فاعلم أن لفظ هذه الآية ظاهره العموم في المسلمين والكافرين ، وفي الأحرار والعبيد والإماء وفي المحصن وغير المحصن ، ثم إن العلماء خصصوا من هذا العموم أشياء منها باتفاق ، ومنها باختلاف ، فأما الكفار فرأى أبو حنيفة وأهل الظاهر أن حدّهم جلد مائة أحصنوا أو لم يحصنوا : أخذا بعموم الآية ، ورأى الشافعي أن حدهم كحد المسلمين الجلد إن لم يحصنوا ، والرجم إن أحصنوا أخذا بالآية ، وبرجم النبي صلىاللهعليهوسلم لليهودي واليهودية إذا زنيا ، ورأى مالك أن يردّوا إلى أهل دينهم لقوله تعالى : في سورة النساء «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم» فخص نساء المسلمين على أنها قد نسختها هذه. ولكن بقيت في محلها ، وأما العبد والأمة : فرأى أهل