فعندئذ يقع الكلام في أنّه هل يبقى الجواز بعد النسخ على نحو يصحّ لمن يناجي النبي أن يدفع الصدقة قبل النجوى بنيّة العمل بالآية لا بنيّة مطلق الصدقة؟
إذا علمت ذلك فاعلم أنّ الكلام يقع في موضعين :
الأوّل : إمكان بقاء الجواز بعد النسخ وعدمه.
الثاني : الدليل على بقائه إذ ليس كلّ ممكن واقعاً.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني استسهل البحث في المقام الأوّل وسلم إمكانه بعد نسخ الوجوب وقال : ضرورة انّ ثبوت كلّ واحد من الأحكام الأربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممكن. (١)
إذا عرفت هذا فلنبحث في الموضعين واحداً تلو الآخر.
الموضع الأوّل : إمكان بقاء الجواز
إنّ إمكان بقاء الجواز رهن ثبوت أمرين :
الأوّل : انّ الوجوب مجعول شرعي ومفاد للأمر ، وليس أمراً انتزاعياً من أمر المولى مع سكوته عن جواز تركه.
الثاني : انّ الوجوب مركب من أُمور ثلاثة : الجواز ، الرجحان ، اللزوم.
وعلى ضوء ذينك الأمرين فإذا نسخ الوجوب فيمكن أن يتعلق النسخ بالفصل الأخير ـ أي اللزوم ـ ويبقى الجواز والرجحان ضمن فصل آخر أي جواز الترك.
فإن قلت : إنّ بقاء الجنس مع ذهاب الفصل أمر غير ممكن فانّ الفصل
__________________
١. كفاية الأُصول : ١ / ٢٢٤.