في عبادة المحبوس المضطر
هذا كلّه حول الحكم التكليفي إنّما الكلام في الحكم الوضعي ، أي صحّة عبادته في الحالات الثلاث دخولاً وبقاءً وخروجاً.
فلو قلنا بجواز الاجتماع فالحكم بالصحة موافق للقواعد بشرط تمشي قصد القربة ، كما أنّه لو قلنا بالامتناع وقدّمنا الأمر على النهي فكذلك إنّما الكلام في القول بالعكس ، أي قلنا بالامتناع وقدّمنا النهي على الأمر ، فالتحقيق صحّة عبادة ذلك المضطر بغير سوء الاختيار.
لأنّ الاضطرار يرفع الحرمة التكليفية والعقوبة ، ولكن ملاك الوجوب ـ لو كان ـ يكون مؤثراً ، وذلك لأنّه لو كان الاضطرار بسوء الاختيار بأن يختار ما يؤدي إليه لا محالة فانّ سقوط الخطاب لا يلازم الصحة ، لأنّه يصدر عنه مبغوضاً عليه وعصياناً لذلك الخطاب ومستحقاً عليه العقاب ، ولكن المفروض انّ الاضطرار لم يكن بسوء الاختيار ، بل فُرِض عليه ارتكابُ المحرّم من جانب القويّ القاهر وعندئذ فالحرمة ـ مع تقدّمها على الأمر عند الامتناعي ـ شأنية وملاك الوجوب باق مؤثر فيكون صحيحاً.
يقول المحقّق الخراساني : إنّ الاضطرار إلى ارتكاب الحرام إن كان يوجب ارتفاع حرمته والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه ـ لو كان ـ مؤثراً له كما إذا لم يكن بحرام. (١)
فإن قلت : إنّ المانع عن تحقّق الوجوب ليس هو الحرمة الفعلية ، حتّى
__________________
١. قوله : « لو كان مؤثراً له » لفظة « كان » تامة فاعلها ضمير الملاك ، وقوله « مؤثراً » حال من ملاكه ومعنى العبارة : بعد سقوط التحريم يبقى ملاك الوجوب ـ لو كان ـ مؤثراً في الوجوب ومقتضياً له لسقوط ملاك التحريم من صلاحية المزاحمة له فيترتب على بقاء الملاك أثره فعلاً.